أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، نعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
· هذه حال الدنيا يعرفنا سيدنا جبريل ويعلم
النبي ﷺ ما نقله من ربنا
سبحانه وتعالى أن المفارقة شيء لابد ان يقع، كم من الزملاء وصلوا في علاقاتهم
لأعلى الدرجات وفي كل مكان يذهبون مع بعض ثم افترقوا مع وجود كل واحد في مكانه،
ولم يفترقوا افتراق طبيعيا وإنما تحول الحب الى عداء، الناس
يتغنون بأن الوفاء ذهب ولم يصبح هناك وفاء، ولكن لابد أن نعرف أن الله توعد من
امتلأ قلبه بغير الله أو تعلق قلبه بغير الله أن يعذبه بهذا المحبوب فهذا المحبوب
الذي تعلقت به من دون الله وأصبح شغلك الشاغل عن ربك، وربك أحق بك وبوقتك وبقلبك
وبفكرك وبصرفك الجهد لعبادته وطاعته، لو تعلقت بهذا المحبوب من دون الله سيتحول
هذا المحبوب لسوط عذاب، وكما ذكرت الآية ويا ليت تحفظوها ﴿قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ
وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ
اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا
أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ
فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي
الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ٢٤﴾ [التوبة:24] انتظروا ماذا؟ سوط العذاب بهم،
والجهاد في سبيله سبحانه وتعالى يبدأ بالجهاد الأكبر إلى الجهاد الأصغر كما قال
أبو حنيفة: ((عدنا من
الجهاد الأصغر الى الأكبر)) وإن
كان هذا الحديث ضعيف لكن معناه صحيح مجاهدة العدو هي الأصغر ومجاهدة نفسك وصد قلبك،
أن يدخل أحد إليه فيزاحم حب الله هو الجهاد الأكبر، ما معنى أن تقولي لا إله إلا
الله؟ يا ليت تستمعن يا أخوات لشرح اسم الله "الله"، ما معنى أن تقول لا إله إلا الله؟
·
معناها أنه ليس عندي محبوب أتعلق به غير الله،
فإذا أمتلئ قلبك بغير الله يقول الله عز وجل لك فتربصوا يعني انتظروا وترقبوا، ماذا؟
· أن
تتحول هذه المحبوبات إلى سوط عذاب تعذبون به، هل
هذا يعني أن لا نتعلق بأولادنا وأزواجنا مثلا؟
· لما أقول لك لا تتعلقي بأحد لأن دائما
الأخوات يدخلوني في هذه المتاهات، الشاهد من قولي "لا تتعلقين بأحد" هو:
أن هو يكون شغلك الشاغل من دون الله عز وجل، هل يعني هذا الا نقوم بعمل علاقات مع
الخلق؟ لا وإلا كانت الإخوة في الله بلا معنى؟ وكيف ان المتحابين في الله على
منابر من نور يغبطهم النبيون والصديقون والشهداء، هناك حد طبيعي المهم ألا تتعلقي ألا تجعلي أحداً من دون الله هو
محور حياتك فتدوري حوله ولا يأتي أن أفعل هذا من أجل الله ومن أجل رضا
الله، لا تجعل أحد يشغلك عن ربك، لا تجعل من محبوباتك فلك ضيق لا تدور حياتك إلا
حوله ومن خلاله وغالباً العلاقات التي بهذه الصورة تنحرف، فلا يوجد أحد نحبه بهذه
الصورة إلا ولابد أن تحدث حالة من الانحراف بشكل أو بآخر، عندما تكون العلاقة
زائدة عن الحد الطبيعي وليست لله، فلابد وأن يحدث شيء من الانحراف ويتحول هذا الحب
لسوط عذاب وعداء فيما بعد، فعلى العبد أن يرحم نفسه من أن تتحول محبوباته إلى سبب
لعذابه فلا تجعلي نفسك رهينة لهذا الأمر.
· سائلة
تسأل هل يدخل في ذلك الدعاء لهم بإلحاح والصدقة عنهم في الخفاء هل هذا يدخل في
التعلق؟
· طبعاً لا الجواب هذا ليس له علاقة ولا
يعتبر تعلقاً، وإنما يعتبر أداءً للبر والحق وحفظاً للمودة، انظري عن ابن عمر رضي اللَّه
عنهما: أَن النَّبيَّ ﷺ قَالَ: ((إِنَّ أَبرَّ البرِّ أَنْ يَصِلَ الرَّجُل أهلُ وُدَّ
أَبِيهِ)).
· انظري لدرجة ماذا؟ لما كان النبي ﷺ من
شدة حبه لأمنا خديجة يقول رزقت حبها، لكن ليس معلق بها من دون الله.
· أبنائنا نحب لهم الهداية، الرسول ﷺ كان
يرسل لصديقات خديجة الهدايا وهي توفاها الله وما كان يقبل أن يقال على خديجة كلمة
تسيء إليها، كان لها مقامها حتى وهي ميتة بين زوجات النبي ﷺ، فنحن عندما نتكلم عن
أبنائنا مثلاً نحن نحب لهم الهداية، وهذا ليس تعلقاً بقدر ما هو حب لله فأنت تحب
لهم الهداية وتحبينها لأولاد المسلمين أيضاً، مثلاً إذا انتظرت عند الإشارة رأيت
شباباً يدخنون فتدعين الله لهم بالصلاح والهدايا -اللهم
ردهم إليك رداً جميلاً- ترجو من الله أن يردهم إليه ويهديهم بهداه أو
واقفين يعاكسوا بنات تقول يا رب تب عليهم من الغم، تب
عليهم من سهام إبليس فهي كما قال الرسول ﷺ: ((إِنَّ النَّظْرَةَ سَهْمٌ مِنْ
سِهَامِ إِبْلِيسَ مَسْمُومٌ، مَنْ تَرَكَهَا من مَخَافَتِي أَبْدَلْتُهُ
إِيمَانًا يَجِدُ حَلاوَتَهُ فِي قَلْبِهِ)) رواه الحاكم، والطبراني.
· فمشاعر الهداية هذه وأن يكون الخلق عبيد
لله تبدأ من الأقربين للأبعدين صحيح أنها أقوى في الأقربين لكنها أيضاً للأبعدين،
وليست دائرة حولك فقط لأني أحبك بل لأني أحب الله، يعني أنا لما أجلس أقول لك يا
رب يهديك يا رب يتوب عليك وأريد أن أذهب دروس علم معك، أحببك في مجالسة الصالحات،
تعالي معي وأسهل لك بفضل الله طريقا نلتمس فيه العلم معا وهذا من الحب، عندما أريد
أن أخدك معي في كل مكان في دروس العلم، هذا أصلاً من حبي لله وليس تعلقاً بالشخص
من دون الله، أحب أن يكون هؤلاء عبيداً لله، أحب أن يكون ابني "فلذة
كبدي" عبدا لله، يبقى اتفقنا إن هناك فرق بين التعلق والحب في الله، واحدة تحب
زوجها في الله فتطيعه، وتتقرب بطاعته إلى الله عز وجل تخدمه وتؤدي حقه من أجل الله
عز وجل، غير أخرى ليل ونهار تهيم عشقا ورائحة وغادية على الهاتف تكلم زوجها عشرين
مرة تقول له افتح معي الخط على طول أحسن خائفة تتزوج عليا أو خائفة أن يتركني أو
خائفة أحد يأخذك مني ولو سافر لا تعرف النوم، ولو راح هنا أو هنا تموت من الغيرة
هذا هو التعلق بعينه هذا هو التعلق المذموم الذي يتحول إلى سوط عذاب، ففي فرق شاسع
بين الاثنين، يبقى اتفقنا على أن هذه المحبوبات لابد أن يحصل بينك وبينها مفارقة.
فماذا تفعلين في نفسك؟
· لابد أن تعلمين أن الله زين لك شيئاً من
الشهوات فلا تجعلين قلبك مشغولاً بحبها، إنما تناوليها بالقدر الذي يكفيك لا تكون
متولهة عاشقة طوال النهار، لا تفكرين فقط في الملابس الفاخرة التي لا يرتديها سواك
وهل ستكون "كفنك" لا تجعلين من ابتغاء الشهرة والمكانة محرابك الأثير
ولا تدورين في فلك الأكل والشرب هذا تعلق طوال النهار أفكر في الماركات هذا تعلق،
طوال النهار لا يفارقني الهاتف أظل أتحدث "شات"، متعلقة بالهاتف ومشاكل
زوجية رهيبة تأتي بسبب الهاتف والفيس بوك تصل إلى حالات الطلاق، الفيسبوك أصبح
ظاهرة للخيانة من التعلق بالفيسبوك أصبحت مدار حياة الناس هو هذا التعلق، أصبح
محور حياتهم، تعلقوا بالمراسلة تعلقوا بالإلكترونيات، واحدة تتعلق برجل جداً أو
رجل يتعلق بامرأة جداً بحيث أنه هو يبقى هايم وسرحان، عندما رأى سيدنا عبد الله بن
عباس رجل هكذا سرحان وهذيان قال ما به؟ هذا ماذا به؟ قالوا به العشق، يعني يعشق
امرأة مشغول بحبها جعل مدار حياته حولها، وكذلك يقع من المرأة أيضا -عافانا الله
وعافكن- فقال سيدنا عبد الله بن عباس؟ قال اللهم إني أعوذ بك من العشق.
· يعني أنا لا أُحرم الحب الحلال، لا أقول
حرام ولكني أقول أن طالما الأمور كلها وفق الضوابط الشرعية ممكن واحد يبقى يعشق
زوجته أو زوجته تعشقه، أنا لا أُحرم هذا أبداً لكن أنا أقول ان الذي يتعلق بشيء من
دون الله ويصرف طاقته له من تعلق بشيء وُكِّل إليه، معنى كلامي هذا مفهوم؟
· أنا لا أفتي لا بحرمة ولا بغيرها ولكني
أقول ما قال النبي ﷺ ((أحبب من شئت فإنك مفارقه))، فلابد أن تتعلمين بأن
هذه الأشياء التي تحبينها ستفارقينها وعلى هذا سنأتي بالمعنى العكسي عليك أن تحب
من لا تفارقه.
· ((عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ ﷺ:
فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي،
ثُمَّ قَالَ: إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِطِيبِ
نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ
لَهُ فِيهِ، وَكَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ، وَالْيَدُ الْعُلْيَا
خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى)).
· هذا الحديث أيضا في الرقاق يا أخوات،
صلَّ الله على محمد، ماذا علم الرسول ﷺ، سيدنا حكيم؟
· ((قال: يا حكيم إن هذا المال خضرةٌ حلوة فمن أخذه بسخاوة نفس
بورك له فيه ومن أخذه بإشراف نفس لن يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع،
واليد العليا خيرٌ من اليد السفلى))،
بكلام مختصر الذي يأخذها وهو مستشرف الذي يأخذ المال وهو شديد الحب له، متعلقٌ به
لن يبارك الله فيه ومثله مثل هذه الأشياء التي زينت والدنيا لا يبارك له فيها ولا
يشبع، أما الذي يأخذها بطيب نفس ماذا يعني طيب نفس؟
· يعني يرضى بما قسم له، يقنع بما آتاه
الله لا يجعل معيار رضاه أو سخطه الكثير، لا يستشرف فيعني لا يتعلق فيعطيه الله
وهو مبارك له في هذا المال، ماذا يعني مستشرف متعلق؟
· ملهوف على المال، لو لم يأتيه المال يبقى
ساخط على ربه ولماذا يا رب أنا أبقى هكذا ولماذا أنا أبقى فقيرة وهم أغنياء؟ ويمد
عينه لزهرة هذا وزهرة هذا وهو ليس راضياً؛ لهذا نحن دائماً نقول لأنفسنا الشيء
الذي أتمناه وأشتهيه وأفكر فيه وأحلم به لا يأتيني، وما لا أفكر فيه يأتيني، كل
شيء بالعكس في الدنيا، طبعاً هذا الكلام خطأ جداً، ليست الدنيا بالعكس إنما الحديث
يفسر لك هذه الحقيقة أي شيء تستشرفيه وتتعلقين به وتجعلين وجوده معك رضا عن ربك
هذا لا يأتيك ولو أتاك لا يبارك لك فيه، لأنك المفروض تعرفين ربك باسمه الحكيم،
يمنع لحكمة ويعطي لحكمة المنع عين الرحمة من الله، فلا تتعلقين بالأشياء لا تقولين
أنا لا استطيع العيش لو ما اشتريت سيارة، ثم تجد أن السيارة عندما تأتيك لا يبارك
لك فيها، يأتيه البيت لا يبارك له فيه، يوجد مثل هؤلاء الأشخاص اللحوحين بسخط، ففي
بداية العام تذهبين للسوق لتشتري لهم الأغراض والملابس والأحذية، وهناك من يلح
ويقول لك احضري كذا وهاتي كذا والثاني طبعاً مسكين الذي تأتي به يقبله مباشرةً،
فيه عندك طفل راضي وفيه طفل لا يرضى، أو فيه مراهق راضي وفيه مراهق لا يرضى، فيه
امرأة راضية متزوّجة راضية وفي امرأة غير راضية، هذه الراضية ييسر لها أمرها كلّه
وتفرح بأقل الأشياء والغير راضية لا يبارك لها حتّى ولو أتاها الشيء الذي تشتهيه
وتجعل رضاها وسخطها بناء على وجوده أو عدمه، في نساء لما الزوج لا يبقلا معه الذي
هي تريده تكره الزوج، وتنظر للزوج على أنه هو الفقر.
·
في
أشياء تأخذيها تطيب خاطرك بها وترضي بقسمتك فيها وفي أشياء تأخذينها باستشراف
وتتعلقين بها وتجعلينها معيار لرضاك أو سخطك عن الله عز وجل فهذه لا يبارك لك فيها
إن جاءت، فالنتيجة ((أحبب من شئت فإنك مفارقه))، كل ما زين لك لو أخذته باستشراف وتعلق
لا يبارك لك فيه، وكل شيء أخذتيه بطيب نفس ولست متعلقةً مستشرفةً يبارك لك فيه،
الاثنان سيأتيهما نصيبهما الذي استشرف والذي طابت نفسه لكن نصيبٌ مبارك ونصيبٌ غير
مبارك، لذلك يعني نجد في كثير من النساء المتزوجين رجال إمكانياتهم ضيقة تتعامل مع
الزوج كارهة له كأنه هو الفقر، مع أن ضيق الرزق هذا فعل من أفعال الله عز وجل ﴿اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ
لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ﴾ [الرّعد:26].
· لما تأخذي الأمر برضا عن فعل الله عز وجل
معك وبطيب نفس ربي يأتيك بما تريدين وتطلبين منه سبحانه وتعالى ويبارك لك فيه، لكن
عندما تلحين في شيء وتستشرفيه وتتعلقي به وتجعليه معيار للرضا أو الغضب عن أفعال
الله عز وجل ثم تسقطين كل ذلك في الزوج أو في من هو مسئول عنك وتتهمينه بعدم الأخذ
بالأسباب وبالكسل وإلى أخر كل هذه الأشياء حتى وإن كانت فيه فهذه قسمتك من الرزق،
لو كان فيه أنت توجهيه، لكن أخذ كل أمر من أمورك بطيب نفس ولست معلقة مستشرفةً حتى
يبارك لك.
·
هناك
شرح أيضاً لهذا الحديث قال أهل العلم: ((وأحبب من شئت من الخلق فإنك مفارقه)) إما
بموت أو غيره والمعنى تأملي من تصاحبي من الإخوان أو الأخوات عالمة بأنه لابد من
مفارقتها فلا تسكنين إليها بقلبك ولا تطيعينها فيما يعصي ربك فإنه لابد من مفارقة
الاخلاء فان الاخلاء كلهم إلى يومٍ قيل فيه: ﴿الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ
لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ٦٧﴾ [الزخرف:67]
· فإذا كان ولابد فأحبب في الله من يعينك
على طاعة الحق تعالى ولا تعلق قلبك، اعرف مولاك بالمحبة التي تقهر أي محبة في
قلبك، ولا يتعلق قلب عرف الله عز وجل بمحبة سواه، كما قال بعض العارفين: ((من أحب بقلبه
مات قلبه قبل أن يموت من أحب)) ما المقصود
هنا؟
· الذي هو من تعلق بأحد يموت فإن هذا الشخص
الذي يتعلق مات قلبه قبل أن يموت، مات قلبه، لأن حياة القلب هو حب الله عز وجل،
فكأنه يقال لك فرغي قلبك من حب غيره حتى يبقى قلبك حياً بحبه سبحانه وتعالى، "وما من أحدٍ في الدنيا إلا ضيف وما في يده عارية فالضيف مرتحلٌ والعارية مردودةٌ" كلام
من أروع ما يكون للعلماء.
· قال أحد العلماء: وفراق المحبوب شديد
فينبغي على العاقل الواعي أن يحب من لا يفارقه وهو الله تعالى، ولا يحب من يفارقه
وهو الدنيا فإنه إذا أحب الدنيا كره لقاء الله سيكون القدوم بالموت على ما يكره
والفراق لما يحب وكل من فارق محبوباً فيكون أذاه في فراقه بقدر حبه وأنسه وأنس
الواجد للدنيا أكثر من أنس فاقدها كأنه يقال: ((أحبب من شئت فإنك مفارقه))،
وهذا أمرٌ صعبٌ عليك، فما دام هو صعب ينبغي أن تحب من لا يفارقك وهو الله ولا تحب
من يفارقك وهي الدنيا وأهلها، الإنسان عندما يجد الدنيا ثم يفقدها يكون ألمه أشد
من الذي ما عنده هذه الدنيا، فلا تكثرين من تعلقاتك، فلا تكثري تعلقات قلبك، ثم
تجدين نفسك في لحظة رهينة لها، عبدة لها، ترضين بما يأتيك من الدنيا وتسخطين على
ما لا يأتيك.
· حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تَعِسَ عبدُ الدِّينَارِ، وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ، وَعَبْدُ
الخَمِيصَةِ، إنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وإنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ،
وإذَا شِيكَ فلا انْتَقَشَ)). رواه البخاري.
· أو كما قال جبريل له ((وأحبب من شئت
فإنك مفارقه)) وفيه كما قال العلماء "تأديب
النفس عن البطر، وهو التملل من النعم والاشراف والفرح بنعيم الدنيا، بل بكل ما
يزيله الموت".
· فإنه متى علم أن من أحب شيئاً يلزم فراقه
ويشقى لا محالة بفراقه شغل قلبه بحب من لا يفارقه وهو ذكر الله،
· فإن ذلك يصحبه في القبر فلا يفارقه وكل
ذلك يتم بالصبر أياماً قلائل، فالعمر قليل بالإضافة للحياة الآخرة، وعند الصباح
يحمد القوم الثرى، أي لما يأتي الصباح وهم قد مشوا في الليل يجدون أنفسهم في
الصباح قد بلغوا المنزل الذي يريدونه فيحمدون الله أنهم مشوا في الليل وما باتوا،
يعني لم يرتاحوا وقعدوا في الليل، لا ظلوا يسيرون فلما أصبح عليهم الصباح وجدوا
بفضل الله عز وجل أنهم وصلوا للمكان الذي يريدونه، فالدنيا كلها أيام قلائل فلا
تعلقي قلبك لا بأهلها ولا بها ولا بمتعلقاتها ولا بالمغريات التي فيها التي تشغلك
عن ذكر الله عز وجل فتجدي نفسك آمةً لها عبدةً لها رهينةً لها، ((وأحبب من شئت
فإنك مفارقه)) وصية عملية من أجل ألا أن أتعلق بشيء.
· أولا: تحسس قلبك وانظر بماذا أنت متعلقة؟
· لسنا سواء في التعلق فهناك نوعيات من
التعلق، هناك من صديقاتهم أو جيرانهم هم نقطة تعلقها، هناك من زوجها نقطة تعلقها،
هناك من أموالهم هي نقطة تعلقهم هناك من شكلها وجمالها والشهرة (مكانتها) هي نقطة
تعلقها، فتجدينها طوال النهار متعلقة بالمرآة مفتونة بها، هناك من أبنائهم نقطة
تعلقهم، وهذا طبعاً لا يمنع الجمال ولا يمنع الاهتمام بالزوج ولا يمنع الاهتمام
بالعمل، لكن أنا أقول لما هذه الأشياء تطغى على التفكير ليل نهار بحيث تكون شغلاً
عن الله عز وجل فأنت معلقة بها، فتحسس قلبك وانظر بما أنت متعلقة حتى تبدئين في علاجه.
· ثانيا: انظري لممارسات التعلق: فمثلاً لو
تعلقت بزميلة تجدين أنك طوال الوقت تريدين أن تكلميها وتجتمعين بها وكل كلامك عنها
فانشغلت بالحديث معها عن العلم عن الله عز وجل بأسمائه وصفاته وعن الدعاء الى الله
وحفظ القرآن وانشغلت أن تتعلمين التوحيد، وكل كلامك أصبح عن فلانه، كذلك الزوج
تجدين أنك تحققين معه، النساء يتصلن بالزوج عشرين مرة في التليفون، عشرين خمسة
وعشرين مرة ممكن تخليه يفتح معها وهو ماشي بالسيارة إلى أين ذاهب؟ وهو ذاهب للعمل
من الذي معك ومن؟ مراقبة وهو داخل المنزل وهو خارج من المنزل، تفتح الجوال وتبدأ
تتجسس على الزوج وماذا؟ وتوسوس أحيانا لا يكون التعلق بالشخص، طبعا هذه كلها حالات
تعلق، لأن أي واحدة مريضة بهذه الأمور تسأل الله عز وجل أن يشفيها ونسألها أن تشغل
نفسها تماما عن كل هذه الأمور، التجسس على الزوج هو من التجسس المنهي عنه {{ولا تجسسوا}}.
· أحياناً لا يكون التعلق بالشخص ربما بيت
ربما وظيفة، ربما مرتبة ومكانة عند الناس قد يتعلق أيضاً بالمدح، في ناس تحب من
الناس أن تقول عليها كذا، الناس تمدحها يتعلق بالمدح مع أن لا أحد مدحه يجمله أو
يذمه الا الله، لما ذهب أحد الأعراب وقال للنبي ﷺ بمعنى الكلام يعني كان باللغة
العربية الفصحى: ((ان إذا أردنا أن نرفع أحد مدحناه فمدحته العرب وإذا أردنا أن نحط من شأن
أحد هجوناه فهجته العرب، إن مدحنا زين وإن ذمنا شين، فقال النبي ﷺ ما ذاك إلا لله)).
· ماذا يعني رد الحبيب ﷺ؟ يعني لا أحد مدحه
حقيقة زين إلا الله، فهناك أشخاص متعلقة بالمدح فتجدين أن المرأة ممكن تطبخ وتطعم
الجيران وتجامل كذا وتجامل كذا وتفعل كل الأفعال الخيرية حتى يمدحونها، وإذا لم
يمدحوها تمرض وتنام وتقول الناس ماذا حصل لها؟ لابد أن تتحسسين قلبك بأي شيء أنت
متعلقة، يبقى الشيء الذي أنت متعلقة به ويشغل بالك ليل نهار، وتسعين لكماله
وإتمامه أنت التي تعرفيه ولا رقيب
على قلبك سواك: ﴿بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ١٤ وَلَوْ أَلْقَىٰ
مَعَاذِيرَهُ ١٥﴾ [الـقـيامـة:14-15]
· ثالثا: اكبح زمام نفسك عن
الممارسة: إذا اكتشفت أنك متعلقة بشخصية مثلاً جارتك وعندما لا تذهبين لهذه الجارة
تشعرين أن الدنيا سوداء أو لك زميلة أو مثلاً تتصلين بزوجك عشرين ثلاثين مرة أو
تراقبيه اكبح زمام نفسك عن هذه الممارسات، فإذا كنت تتكلمين خمس ست مرات عشر مرات
خفض عدد المكالمات لمكالمة واحدة فقط، كأنه دواء تتراجعين عن استخدامه لكن بأسلوب حكيم،
يبقى لابد أن نكبح أنفسنا عن ممارسات التعلق.
· رابعا: اشغلي نفسك بطاعة الله: من
أروع القواعد التي أخذناها من الشيخ السعدي رحمه الله من القواعد الحسان، من ترك
الاشتغال بما ينفع مع الإمكان ابتلي بالاشتغال بما يضره، نسأل الله -العفو والعافية-، كررت هذا الكلام في رسالة (الوسائل
المفيدة للحياة السعيدة) قلنا علاج كل شيء والوسواس والضيق والاكتئاب كله،
أشغلي نفسك بطاعة الله فليس الحل حتى تكبح زمام نفسك بأن تبحثي عن أحد آخر أو
تتكلمين مع أحد آخر، أو تنزلي تسيرين بالثلاث أربع ساعات أو تلتفتين لتعلق من نوع
آخر وإنما اجعل مكان الفراغ تعلق بالعلم عن الله عز وجل.
· خامسا: خوفي نفسك أن الأخلاء سيصبحون
أعداء إذا لم يجتمعوا على طاعة الله:
وأنا لا أحب أن أعاديها يوم القيامة، لذا خففي هنا من هذا التعلق بغير الله حتى لا
تتحول هذه العلاقة إلى عداوة في الدنيا قبل الآخرة، فنحن بدأنا نتعالج نفسياً من
آثار انقطاع التعلقات، فهناك أمراض نفسية تحصل نتيجة لمرض التعلق، يعني هي سلسلة
غم متتابع، مثلاً تأتي بنت في العشرين من عمرها، ولها زميلة قد تعلقت بها ثم
زميلتها انقلبت عليها مرة واحدة، بعدما كانوا ليل ونهار مع بعض يخرجون سوياً
يدخلون سوياً يشترون سوياً، تغير الحال فتنصدم البنت ويأتي لها حالة انهيار نفسي،
وتشتكي زميلتها للناس أملة في أن قلبها سيعود، وتدخل في اكتئاب وإن شاء الله
سنعالجها من الاكتئاب لأن زميلتها ذهبت، ولو كانت قاعدة الحديث العظيم هذا مستعملة
((أحبب من
شئت فإنك مفارقه))، ((احبب حبيبك هوناً ما)) ما كانت هذه الأمراض ستظهر،
أنتم لا تتصورن! إلى أي درجة تأتينا الحالات المصابة بالاكتئاب من أجل حالات
التعلق.
سبحانك
اللهم وبحمدك نشهد ان لا اله الا انت نستغفرك ونتوب اليك.
تعليقات
إرسال تعليق
اكتب تعليقك إذا كان لديك أي تساؤل وسنجيبك فور مشاهدة التعليق