القائمة الرئيسية

الصفحات

 

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

   أن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، نعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

·      طبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم من الجنة منزلًا.

·      نكمل ما بدأناه، كنا قد تحدثنا كيف أن ذكر الموت يطيب الحياة ويجعلك تودين أن تتعلق بالله، تستعيني بالله، مبدأ الأمر ومنتهاه أنك تكتفي بربك، تسأليه أن يرشدك إلى الأعمال الصالحة التي تكون سبباً لنجاتك وقتما تلتقين الله، فتبقي الدائرة منحصرة كلها حول تعلقك بالله.

·      استمعن لقول النبي الذي ورد في صحيح البخاري عن موضع سوطً في الجنة خيراً من الدنيا وما فيها؛ ورد أن رَسولَ اللَّهِ قالَ: ((رِبَاطُ يَومٍ في سَبيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وما عَلَيْهَا، ومَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ مِنَ الجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وما عَلَيْهَا، والرَّوْحَةُ يَرُوحُهَا العَبْدُ في سَبيلِ اللَّهِ، أَوِ الغَدْوَةُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وما عَلَيْهَا)).

·      أتعرفن السوط؟ قدر مساحته "جزء صغير" في الجنة خيرٌ من الدنيا، كل هذه الدنيا وما فيها، والسوط هذا أقل من نصف المتر وهو خيرٌ من الدنيا وما فيها، ومعنى هذا منذ أن خلقت الخليقة إلى قيام الساعة، فكل النعماء التي تعرفينها والتي لا تعرفينها لا تساوي نصف متر في الجنة، فهو خير من هذه النعماء في الدنيا منذ خلقت الخليقة إلى قيام الساعة، فهذا مما يزيد كمال الجنة ويزيد حقارة الدنيا، هذا مما يجعلك تشتاقين إلى الجنة ولا تحزن أبداً على الدنيا. يقول الرسول انتبهن! لهذا الجمال من أجل وأنتم ذاهبات للمسجد وعائدات منه أو أنتن ذاهبات لدرس العلم وعائدات، انتبهن! الرسول ماذا يقول؟ فأنت قد من الله عليك بمعرفة هذه الحقيقة التي قالها النبي كما في صحيح بخاري ((ومَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ مِنَ الجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وما فيها)) يعني كل النعماء التي في هذه الدنيا أقل بكثير ولا تساوي نصف متر في الجنة، ويقول النبي : ((والرَّوْحَةُ يَرُوحُهَا العَبْدُ في سَبيلِ اللَّهِ، أَوِ الغَدْوَةُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وما عَلَيْهَا))

·      غدوة أو روحة تعني الجهاد، أو أي عمل من أجل الله خير من الدنيا وما فيها، فانظري مثلاً لركعتي سنة الفجر، اسمها رغيبة الفجر، التي هي السنة التي قبل صلاة الصبح حاضراً هي خيرٌ من الدنيا وما فيها، ويؤيد كل هذا الكلام من أجل أن تعرفين وتوقنين بأنك: ((عش ما شئت فإنك ميت)).

·      هذه تعطيك أن الدنيا تساوي لا شيء يؤيد قول النبي حديث أنس أن النبي ﷺ قال: ((اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة)) متفق عليه.

·      كل هذا يشعرك بأن الدنيا لا تستحق منك هذا التعلق، وقد قال النبي لعبد الله بن عمر؛ وعن ابن عمر رضي اللَّه عنهما قَالَ: أَخَذ رسولُ اللَّه ﷺ بِمَنْكِبِي فقال: ((كُنْ في الدُّنْيا كأَنَّكَ غريبٌ، أَوْ عَابِرُ سبيلٍ)). 

·      وَكَانَ ابنُ عمرَ رضي اللَّه عنهما يقول: ((إِذَا أَمْسَيْتَ فَلا تَنْتَظِرِ الصَّباحَ، وإِذَا أَصْبَحْتَ فَلا تَنْتَظِرِ المَساءَ، وخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لمَرَضِكَ، ومِنْ حياتِك لِمَوتِكَ)).

·      انظرن! إن من أجمل ما درسناه وأنفعه، فعلا فقد قلل من حجم الدنيا جدا في قلوبنا كتاب الرقاق، اللهم بارك يعني تقريبا ميساء "رحمها الله"، قالت لي ان هو قريب من 13 حلقة يا ليتكن يا أخوات تستمعن إليه كلما تمتعتن، وتمرغتن في ترف الله ونعمائه تذكرن وأنظرن لسيدنا عبد الله بن عمر وهو يرشدكن لشكل العلاقة مع الدنيا، ما حجم علاقتك بالدنيا؟ ((إِذَا أَمْسَيْتَ فَلا تَنْتَظِرِ الصَّباحَ، وإِذَا أَصْبَحْتَ فَلا تَنْتَظِرِ المَساءَ)).

·      يعني اعملن أقصى ما في جهدكن لله ولا تعلقين قلبك بأي شيء في الدنيا ولا تحزني أبداً على الدنيا ((وخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لمَرَضِكَ)) أتتذكرين عندما تكلمنا في الوسائل المفيدة للحياة السعيدة إن أنت تبذلين أقصى ما تستطيعين في يومك من ترضي الله، اكتنزن الخيرات واستزدن منها قدر الاستطاعة.

·      مرة أخرى نقول قال النبي لعبد الله ابن عمر ((كُنْ في الدُّنْيا كأَنَّكَ غريبٌ، أَوْ عَابِرُ سبيلٍ)) وكان ابن عمر خير تلميذ لخير معلم، فكَانَ رضي اللَّه عنهما يقول: ((إِذَا أَمْسَيْتَ فَلا تَنْتَظِرِ الصَّباحَ، وإِذَا أَصْبَحْتَ فَلا تَنْتَظِرِ المَساءَ، وخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لمَرَضِكَ، ومِنْ حياتِك لِمَوتِكَ))، فكلما تمتعت بالصحة تذكر زمناً قد لا تكون فيه صاحبة صحة، نحن بفضل الله الان نستطيع التكلم ونستطيع التعلم وعارفين نطلب العلم بفضل الله ومنته ممكن يأتينا وقت نكون مريضات منهكات ولا نستطيع أن نفتح الكتاب ولا نحفظ، فنخسر أيام غاليات، فلابد لك أن تجمع كل قوتك كل ما تملكين من قوة في هذا اليوم الذي تمرين فيه وتتقربين فيه إلى الله عز وجل، كلما تمتعت بالحياة تذكر وقت لابد ان تفقد فيه هذه الحياة، ((عش ما شئت فإنك ميت))  

·      عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: ((أَعْذَرَ اللَّهُ إِلَى امْرِئٍ أَخَّرَ أَجَلَهُ، حَتَّى بَلَّغَهُ سِتِّينَ سَنَةً)) يعني لا أعذار عند هذا العبد أمام الله أي انتهت الفرص كلها.

·      فقد بلغ الستين عاماً وهو لا زال على حاله -نسأل الله العفو والعافية ونسأله سبحانه وتعالى حسن الخاتمة.

 

·      في واحدة تبقى عندها ستين سنة ولازالت متبرجة وتضع مكياج، واحدة عندها أربعين سنة ولازالت على مثل حال الأولى! لا يجوز ولا ينفع أبداً ولا حتى وانت عندك خمس عشر سنة تضعين أدوات الزينة بالخارج، لكن التي تبلغ الكبر بالذات، ما عذرك أمام الله عز وجل؟

·      وقد أمهلك فترة طويلة جداً حتى تتقيه، نقول ان أولاً من عاش في شبابه وقوته وفتوته على شيء فقليلٌ لا يستطيع تغييره، تحتاج الامر الاستعانة والصدق حتى تستطيع التغيير.

·      ثانياً من قال لك أنك ستكونين من أهل هذا الحديث؟ واحد يقول انا لن أتوب غير لما أكمل الستين نقول له هل أنت ضامن لعمرك إلى أن تعيش إلى الستين؟ أليس ممكن أن تقبض في هذه اللحظة؟ أليس ممكن إن أنا أقبض في هذه اللحظة؟ أليس ممكن من تسمعني تقبض في هذه اللحظة؟ من قال لك أنكِ ستبلغين الستين؟ فلابد من العمل من أجل لقاء الله عز وجل بعد الموت، ((عش ما شئت فإنك ميت)).

·      نأتي للجملة الثانية التي قالها سيدنا جبريل للرسول ﷺ ماذا قال؟ بعدما قال له يا محمد ((عش ما شئت فإنك ميت)) قال له: ((وأحبب من شئت فإنك مفارقه)) يؤيد هذا حديث النبي عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: ((لا يزال قلب الكبير شابًا في اثنتين: في حب الدنيا، وطول الأمل)) رواه البخاري.

·      أي لا تظن أن الإنسان عندما يشيخ ويتقدم به العمر وهو لم يعالج نفسه سينتهي عن حب الدنيا ويتوب وينزع عنه طول الأمل، فمن المفترض أنك وانتِ صغيرة تكون على علم وفهم لحقيقة الدنيا وتتعلم كيفية الحياة التي يجب أن تكون عليها حياتك وأنت صغير تفهم أن هذه الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة، وأن هذه الدنيا دار ممر، وليست مستقر لحياتك وأنها دار اختبار، ربي يريد منك أن تتزود بالتقوى فيها لتعمل للآخرة لنيل أعلى الدرجات في الجنة، أنتم تعلمتن ان تطلبن الدرجات العليا في الجنة، لأن هناك فرق شاسع بين أدنى الجنة وأعلى الجنة، القوم الذين في أدنى الجنة يرون الذي في الأعلى مثل الكوكب الدري، انتبهن! المسافة كم هي بعيدة فلا تظنن أنك لو لم تعالجين نفسك وأنت صغيرة عن حب الدنيا ان ممكن تأمن الموت بغتة، لا تأمن، لا تأمن!

·      فهذه المحبوبات التي شغلت قلوبنا اغلبها دائرة حول الدنيا، ولذا يقال لك من كلام النبي : ((أحبب من شئت فإنك مفارقه)) انتبهن! أن تجعلن أحد تحببنه سواء أشخاص أو أموال، أو شهرة ومكانة، أو وضع اجتماعي أو أي كان يشغلك عن ربك وعن دينك، فنحن تعاهدنا أن نتجاور في مساكن طيبة، هي مستقر الصالحين: ﴿قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ٢٤[التوبة:24]

·      فاجعل أحب شيء إليك هو ما يقربك الى الله، أحب شيء إلى قلبك، لو انت ناضجة بما يكفي وتفكر بطريقة صحيحة وعندك عقل، الأدب عنوان العقل فعندما تكون ذات فكر سليم فسوف تعرفين ان كل ما حولك وما تريدين وما تملكين لابد وأنت مفارقه، لكن ما الذي لن تفارقه؟

·      عملك الصالح الذي يقربك الى الله، كل شيء يفنى إلا الواحد الاحد، هو الذي يبقى فهنا سيدنا جبريل يعلم النبي ((أحبب من شئت فإنك مفارقه)) لابد أنك ستفارقها أو هي ستفارقك هذه الأشياء، والجملة الثانية من الحديث متفرعة من الأولى يعني ((عش ما شئت فإنك ميت وأحبب من شئت فإنك مفارقه)) والفرقة لابد أن تكون في الدنيا سواء أنت تزول عن الشيء أو الشيء يزول عنك، والموت من أهم أسباب الفرقة لكن ليس هو السبب الوحيد، فإذا باشر قلبك ووصل لعلمك أنك لابد وأن تفارق ما انشغلت به عن الله فكيف تتصرفين وعلى أي طريق ستمض حياتك؟

·      ((أحبب من شئت فإنك مفارقه)) سنتحمل بعض، يعني لما الزوجة تعرف أنها ستموت أو زوجها سيموت وقريب هذا الأمر تقول ماذا؟ أتقرب إلى ربي بأحب الأعمال إليه وأعامل زوجي بما يرضي الله حتى لو هو سيء، أنا سأموت أو هو سيموت فلماذا الغم؟ الذي نحن نقوم به ومنكدين على أنفسنا لماذا؟ فنتحمل لان في لحظة سيأتي الموت ولو أنت مقصره معه ستذوقين علقم هذا التقصير بعد موته، وتندمين ندم ليس بعده ندم، لا يوجد أحد أشد ندم ممن قصر في أداء الحقوق والله هذا حق، لا يوجد أحد يستطع النوم مرتاح البال إلا من أدى الحقوق، حق الله من أداء الفروض وطلب العلم وقراءة ورد القرآن وتربية الأبناء على الوجه الذي يرضي الله عز وجل والقيام بأداء حقوق الزوج والبيت وكل من له حق والمؤمنون أخوة وفي تفسير الشيخ السعدي في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحُـجُـرات:10] قال لك: هو عقد عقدهُ الله بين المؤمنين أن يكونوا أخوة وعدم أداء الحقوق يبطل هذا العقد ومن ضمن العبارات الجميلة في تفسير سورة الحجرات تجدي عجبا في كلام الشيخ يقول لك إن من حواجب الرحمة منع الحقوق -نسأل الله العفو والعافية-، فأنت أدي حقوق الزوج لأنك فترة وستفارقينه، وأيضاً لا تتعلقين به من دون الله أو يشغلك عن الله لأنه سيموت أو ستموت أنت، لكن الباقي هو الواحد الأحد، والفرقة لابد منها فإذا حدثت الفرقة تكونين مرتاحة البال، لا أنت متعلقة به التعلق الذي يشغلك عن الله فقصرت في أهم حق وهو حق الله، ولا أنت قصرت في حقه فأنت تذوقين مر حسرة عدم أداء الحقوق، وكما قلت كلمة الشيخ السعدي إن منع أداء الحقوق سواء حق الله أو حق الخلق هو من حواجب الرحمة.

·      فقد يكون لكِ خليل، حبيب، قريب شغلت قلبك به وبعد زمن يسير هذا المحبوب يتحول إلى عدو فتتفرقين عنه، هذه أيضا نقطة مهمة، الانشغال بالخلق عن الخالق، ولذلك النبي يضع بين يديك ميزان، لعلاقتك بالآخرين: ((أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما)).

·      فهذا الميزان هو عدم انشغال القلب بالخلق عن الخالق، لأن مهما أحببت فأنت مفارقة، كذلك ملابسك الفاخرة ومكانتك العالية وفيلتك الفارهة وعلمك الدنيوي الذي وضعك في أعلي درجة علمية والشهرة وغيرها وغيرها، الآية جمعت كل المحبوبات ﴿قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ٢٤ [التوبة:24] يعني انتظر العذاب، متى؟

·      لو كل هذه المحبوبات شغلت قلبك عن ربك أو كانت عائقاً في طريقك أو قدمت حب هؤلاء على حب الله، ولم تقهر محبة الله في قلبك محبة هؤلاء فتنوك! كانوا مصادر للفتنة -الفتنة في دينك- فانتظر العذاب، وبالتأكيد ستذوقين مر التعلق بالشيء الذي أنت تعلقت به من دون الله، بل حتى مع الأبناء يحدث هذا فتجدي الابن المحبوب محبوباً عند أمه، وله مكانة ثم تفرح به الام وتزوجه ثم يحصل منه أو من زوجته مشاكل يأتي لها البلاء بسبب هذا، وفي النهاية يظل بالشهر والشهرين لا تراه، نعم هذه قطيعة من جهة شرعية وهو مخطئ، لكن من الجهة الكونية أني أحببته ثم فارقته بالرغم أنك ما زلت حية.


تعليقات