القائمة الرئيسية

الصفحات

شرح الرقاق باب ما يُتقى من فتنة المال الجزء الثالث

 


اعوذ بالله السميع العليم من الشيطان

الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم

   إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات اعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأُصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. طبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم من الجنة منزلا.

يقول الشُّرَّاح:

هذا الحديث مما اشتهر عند الصحابة حتى إن ابن عباس يقول: فلا أدري من القرآن هو أم لا.

ولذلك يأتي في الرواية الأخيرة للحديث: وقال لنا أبو الوليد، حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس عن أُبي قال: كنا نرى هذا من القرآن حتى نزلت ألهاكم التكاثر.

يعني أن الصحابة كانوا يعتبروا هذا الكلام من القرآن حتى علموا أنه من كلام النبي ﷺ ونزلت ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ نفس معنى الحديث.

سنعرف إن الشيطان يشغلك بالكثير من المباحات، مثلا أقول أنا الله أعطاني مال والحمد لله أتصدق وأزكي، فما المشكلة أن أشتري 20 عباءة لألبس عباءة كل يوم في الشهر؛ ما المشكلة؟!

سننتقل لباب في البخاري يقول لك: المكثرون هم المقلون يوم القيامة.

الرسول ﷺ عندما دعا على عبد الدينار الذي يجعل هواه وكل ما يفكر فيه ورضاه وسخطه على ما حصله من مال فقال عنه الرسول ﷺ: "تعس عبد الدينار.."

تعس: أي هلك

وإذا شيك فلا انتقش: يدعو عليه بالعجز لدرجة أنه لو دخلت به شوكة ما يعرف يزيلها.

هذا دعاء النبي ﷺ على عبد الدينار الذي يرضى عن ربه إن أعطاه ربه مالا ودنيا، فإن سخط على الله واعترض على أقدار الله وأفعال الله معه يدعو عليه بالعجز. نسأل الله السلامة والعافية.

قال النبي ﷺ: "لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثًا"

هذا إشارة إلى الطمع فلو كان عنده واديان من مال، وفي الرواية الثانية: "واديا ملأً من ذهب"، وفي الرواية الثالثة: "لو أن لابن آدم مثل وادٍ مالًا" كل هذه أدلة على أن شيئا عظيمًا وادي كبير في مال، حتى لو وجد هذا لا يقتنع الإنسان أن إرادته للمال ليست من جهة الضرورة ولا حتى التوسع ولكن من جهة الطمع، وهذا الحديث فيه عموم والمقصود بني آدم على وجه العموم.

معظم بني آدم بهذا الطمع، يعني هذا من الطباع الداخلية في الإنسان، فهو يطمع في المال وفي شهوات الدنيا، لكن عندما يقوله الرسول ﷺ على سبيل الذم فالمفروض أن تمنعي نفسك من هذا الطمع.

مثل قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ[1] فالطمع من الطباع التي ابتلي بها الناس.

وهنا لابد أن نُذكر أنفسنا ان الله ابتلانا في الدنيا بالطباع.

ولذلك عندما سندرس كتاب الفتن قلنا أن أول فتنة تتعرض للإنسان طباعه هو، هو مختبر في نفسه، في أشياء هي من طبيعته لكن يصلحها لوجه الله.

واحد مثلا تقول [طبيعتي أني عصبية كالنار، أنا ما أستطيع التحكم في نفسي] وأنا فعلا أصدقها لأن أنا عندي –ماشاء الله- الولدين نار، طبعهم عصبي مع أنهم ما تربوا في الصعيد ولكن عندهم سرعة في الانفعال بالرغم من الطيبة –اللهم بارك- لكن دائما أقول لهم غير طبعك.

فهذه أول فتنة تغييرك لطباعك. بالمجاهدة وقهر النفس ومخالفة الهوى ومخالفة العادة ومخالفة الإلف، هذا كله يسمى جهاد النفس. فلابد أن نعرف أننا ابتلينا في الدنيا بالطباع.

ويأتي معنا في الباب السابق خبرًا عن غرور الإنسان واغتراره فالنفس من طباعها إن أي شيء يغرها.

مثلا واحدة من طبعها أن تفرح بنفسها، دائما تقول: [فرحت بنفسي جدا عندما فعلت كذا أو كذا] هذا من طباع النفس وهو الاغترار، فهذه تُرَبى بأن تعلم قدر نفسها وتعرف قدر ربها.

فالمصلي الذي معه إيمان يغالب هذه الطباع التي طُبِع عليها الناس، كذلك من الطباع التي ابتلينا بها حب الاستكثار.

يعني مثلا أشتريت بلوزة لونها تركواز وأريد أن أشتري تنورة لونها مناسب ثم الحذاء يكون كالبلوزة ثم الشراب ثم الخلخال وجراب الموبايل، ربما تصل ليكون دهان السيارة لون الفستان...الخ. فهنا الطباع فيها حب الاستكثار.

مثلا كنت محتاجة عباءة وعندي خمار ونقاب جميل، فعندما اشتريت عباءة جديدة أقول لابد أن اشتري خمار ونقاب جديد.. حب الاستكثار.

فعندي مشكلتين: مشكلة الطمع، ومشكلة الاستكثار.

 وعندما تأتي مشكلة الاستكثار تفسرها جميع النساء على أن الله وسع علينا. لكن التوسيع يكون بزيادة الإيمان وليس بزيادة العباءات، عندما يوسع الله عليكِ تزيدي إيمان وتزيدي شكر.. تزيدي علم.. تزيدي عطاء وتزيدي نفقة، وحتى لا يدخل في الأمر تطرف أضرب مثل:

عندي إنسان يأخذ ضرورياته فلا بأس عليه، يزيد على الضروريات حاجاته فلا بأس عليه، يتوسع في حدود المعقول لا بأس عليه.

البأس عندما ينشغل بالاستكثار ليل ونهار ويجعله متصل برضاه أو سخطه.

آخر مشكلة: كل واحد يستكثر من الشيء الذي يميل إليه، فهناك من يستكثر من القطيفة والخميلة.

 الخميلة: هي ما يتصل بأثاث الإنسان فيكون مطمعه من هذه الجهة.

هناك مطمع من جهة اللباس، مطمع من جهة الفرش، الآن المطمع عند معظم الشباب من جهة الاليكترونيات، كل فترة يغير الموبايل سواء من الشباب أو البنات كذلك. فهذا من الاستكثار الذي لا فائدة فيه.

ثم عندما نقرأ قول النبي ﷺ: "ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب" كأنه يُقال: لا يملأه من كثرة الطمع إلا الموت.

ما علاج هذا الطمع؟

عندما تقولي هذا لامرأة من غير ما تكون على دراسة بباب الرقاق، فتقولي لها سوف نُحاسب على كل ما ننفق، فتقول لك: [الاسراف نسبي، -وهذا حقيقي- والله وسَّع علي أعطي وأشتري ما أريد] لا بأس.

فأنت لن تستطيعي أن تقولي لواحدة لم تدرس هذا الكلام مثل هذا الكلام الأخير الذي درستيه، فلابد أن توصلي لها باب الرقاق من أوله.

ما علاج الطمع؟

تصور حقيقة الحياة من جهة وحقيقة لقاء الله من جهة وحقيقة لقاء الله لا تتبين للإنسان إلا عندما يؤمن بالغيب وعندما تزيد موارد الإيمان عنده فتقوى الموارد ويعرف من هو الله وكيف يكون لقاء الله، كيف تكون هذه الشهوات ملهية له في الطريق، كيف أنها تشغله عن المكث على كتاب الله تدبرًا عملًا وحالًا، كيف أنها تأخذ من وقته وجهده وكيف انها تشتت قلبه.

ومن يدرسون معي اسم الله النور قلنا أن مثل نوره كمشكاة فيها مصباح. المشكاة هة الكوة في الجدار، نور مُجَمَّع، قلب المؤمن مجموع على الله، غير واحد قلبه متفرق متبعثر، فيكون محل لجمع نور الله تعالى في قلبه، نور العلم به بأسمائه وصفاته ونور السنة فيسير إلى ربه في نور لأن قلبه مجموع على الله.

غير واحد قلبه متبعثر، مثل أن أكون مشغولة بالجاه وبالبرستيج والمكانة الاجتماعية وفلانة قالت عني أو ان أكون أحسن واحدة في الحفلة وما كان أحد يلبس ما ألبس ولا جامعتي كأي جامعة وعيالي لا يلبسون مثل أي أحد.. تفكير تفكير.

أو المشغولة بكلام الناس أو بزوجها وماذا يفعل.. مشتتة ومبعثرة. كيف ستجمع النور؟!

لذلك يكون في اضطرابات نفسية في حالة التشتت ينتج اضطرابات نفسية فانتبهي أن فكرك هذا لو بعثرتيه وبعثرتي مشاعرك لن تجدي نفسك بعد هذا وتكوني ضائعة ومشتتة، نسأل الله السلامة والعافية.

فهذا الذي يجب نخرج به أن الإيمان بالغيب ومعرفة لقاء الله ومعرفة الله عز وجل ومعرفة حقيقة الدنيا التي كُرِّرَ ضرب الأمثال لها، ضرب الله لها مثل في سورة يونس، في سورة الكهف، في سورة الحديد، كل يوم جمعة تقرأي: ﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا[2] يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾[3] ما معنى إن وعد الله حق؟ الوعود في القرآن استخرجيها من أولها لآخرها، ما معنى إن وعد الله حق؟

أي الوعد بالبعث والجزاء وإنك ستقفي بين يدي الله وأنه سيعاتبك وإنه سيجازيكِ وإن الجنة حق والنار حق والنبيين حق ومحمد ﷺ حق. ﴿فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُالغرور هو الشيطان.

معنى الآية: قلنا هذه الآية عندما ذكرنا حديث الرسول ﷺ:

حدثنا سعد بن حفص، حدثنا شيبان، عن يحيى، عن محمد بن إبراهيم القرشي قال: أخبرني معاذ بن عبد الرحمن أن إبن أبان أخبره، قال: أتيت عثمان بن عفان بطهور وهو جالس على المقاعد، فتوضأ فأحسن الوضوء، ثم قال: رأيت النبي ﷺ توضأ بوضوئي هذا ثم قال: "من توضأ مثل هذا الوضوء ثم أتى المسجد فركع ركعتين ثم جلس غُفِر له ما تقدم من ذنبه". قال: وقال النبي ﷺ: "لا تغتروا"

أي إن صليتي ركعتين لا تُحدثي فيها نفسك تُغْفَر كل ذنوبك، فقال لا تغتروا، وجاء البخاري بهذه الآية: ﴿فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ لماذا؟

لأن الشيطان يأتي حال فعلك للمعصية ويقول لك [إن الله غفور رحيم، امسحي هذه المعصية بركعتين].

فهذه من عبقرية البخاري. ولذلك شُرَّاح الحديث قالوا: لا تغتروا فيقول لك الشيطان حال اقدامك على المعصية أن الله غفور رحيم وأنت عازمة على فعل المعصية، مثل ما يغضبون الله ويقولون الله غفور رحيم!

الله غفور رحيم للتائب للمقبل وللنادم ﴿إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ[4]، وليس أنك قبل أن تقومي بالمعصية تقولي إن الله غفور رحيم وأنت تعملين المعصية، لذلك سُمي الشيطان بالغَرور، قال مجاهد: الغَرور الشيطان.

الربط مهم جدا جدا في أبواب البخاري أسأل الله أن يعلمنا.

هناك نقطة أوصي نفسي وإياكن بها، وكانت دائما الأستاذات الربانيات يقلن لا تفكري في غيرك وأنا اكلمك.

يعني لا تفكري في فلانة التي تستكثر نحن ما نتكلم عن أحد، الله أعلم ما بينهم وبين الله، أفكر في نفسي كيف سأكون؛ هذا هو الحل الذي سنتكلم عنه، إذا وجدت الناس يطمعون ويستكثرون من الدنيا فأنت إجعلي آمالك الباقيات الصالحات، إذن معنى ذلك أن أستكثر مما عند الله عز وجل، وأطمع فيما عند الله عز وجل، أحب ما عند الله، حببي نفسك فيما عند الله، آثري الأجور التي في الآخرة، تصوري ما عند الله، إسألي من الخزائن التي عند الله، نتصور كيف يكون الإنسان في قبره حين يُسئل الأسئلة الثلاثة كيف يجيب كما ينبغي، كيف يلبس لباس من الجنة ويأتيه حنوط من الجنة ويأتيه مسك من الجنة ويُكَفن في كفن من الجنة، لأن الإنس يكفنوا الجسد والملائكة تُكَفِّن الأرواح، هناك اثنان كفن واثنان غُسْل، الجسد مع الناس في الدنيا بعد الموت والروح تُكَفَّن بكفن من الجنة وحنوط من الجنة إذا كان من أهل الجنة، اللهم اجعلنا منهم يا رب.

قلنا ثلاثة أمور حتى تربي نفسك على عدم الانشغال والالتهاء بالدنيا:

1-  معرفة الله وما عند الله.

2-  معرفة الدنيا حقيقة الدنيا.

3-  تأميل النفس في الأعمال الصالحة وآثارها على الإنسان في الدنيا والآخرة فتكون الباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا.

مرة أخرى:

كيف أعالج رغبتي في الاستكثار الدائم من شهوات الدنيا؟ ما العلاج؟ مثلا أنا واحدة أحب الملابس أو العطور او الاكسسوارات أو العباءات.. كلنا كنساء نحب ذلك ﴿أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ﴾.

هذا إذا أخذتيه بنية إظهار نعمة الله عليكِ ولا يشغل قلبك ولا يلهيكِ فلا بأس به، القصة في الطمع والاستكثار الذي يُشْغل، كيف أتعالج؟ لأني هكذا اكون مريضة أن أذهب للسوق كل يوم والثاني وأنشغل وأتضايق وأنبهر ونفسي تذهب لكل شيء، كيف أعالج نفسي لأني هكذا أكون مريضة؟

الأمر الأول: معرفة الله وما عند الله.

الأمر الثاني: معرفة الدنيا وحقيقتها.

الأمر الثالث: تأميل النفس في الأعمال الصالحة وآثارها على الإنسان في الدنيا والآخرة، فتكون الباقيات الصالحات كما قال الله في قلبي خير عند ربك ثوابا وخير أملا.

نسأل الله عز وجل ان يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

الباب القادم: المكثرون في الدنيا هم المقلون يوم القيامة.



[1] المعارج

[2] الكهف:46

[3] فاطر:5

[4] التوبة:110


تعليقات