اعوذ بالله السميع العليم من
الشيطان
الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم
إن
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات
اعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأُصلي وأسلم على المبعوث
رحمةً للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. طبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم من
الجنة منزلا.
ثم قال البخاري رحمه الله:
8- باب قول الله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا وَلَا
يَغُرَّنَّكُم بِٱللَّهِ ٱلۡغَرُورُ (5) إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ لَكُمۡ عَدُوّٞ فَٱتَّخِذُوهُ عَدُوًّاۚ إِنَّمَا يَدۡعُواْ حِزۡبَهُۥ لِيَكُونُواْ مِنۡ أَصۡحَٰبِ ٱلسَّعِيرِ (6)﴾ ([1])
جمع السعير: سُعُرٌ. هذا الباب فيه درر، أسأل الله أن يرزقنا النور بأنه نور السماوات
والأرض، وهذا المسجد يا أخوات محل لنور الله جل وعلا، لأن الله جل وعلا بعدما ذكر
في سورة النور ﴿۞ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ﴾ قال في الآيات التي بعدها ﴿فِي بُيُوتٍ
أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرۡفَعَ وَيُذۡكَرَ فِيهَا ٱسۡمُهُۥ يُسَبِّحُ لَهُۥ فِيهَا بِٱلۡغُدُوِّ وَٱلۡأٓصَالِ (36) رِجَالٞ لَّا تُلۡهِيهِمۡ
تِجَٰرَةٞ﴾ ([2]) فهذا المسجد محل لاستقبال النور، أسأل الله أن يجعل قلوبنا محلاً لاستقبال
النور.
من هو مجاهد؟ هو تلميذ ابن عباس، مجاهد عرض القرآن على ابن عباس ثلاث
عرضات يقف عند كل آية يؤولها له ابن
عباس.
يأتي اليوم ناس يقولون: نحن نفهم القرآن بعقولنا وكانوا رجال ونحن رجال، فنقول لهم
لا، القرآن أُعْطي النبي جمعه وقرآنه ﴿فَإِذَا قَرَأۡنَٰهُ فَٱتَّبِعۡ قُرۡءَانَهُۥ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيۡنَا بَيَانَهُۥ
(19)﴾ ([3]) فالنبي أعُطيَ تفسير القرآن ثم نقله لابن عباس وابن مسعود وصحابته،
ونقل عن ابن عباس مجاهد، ومجاهد سيعطي لمن ورائه، ومن بعده يعطون لمن بعدهم
وهكذا، فما يأتي أي أحد يقول [نحن نفهم القرآن بعقولنا، وما نسمع للمفسرين] هذه
صيحة جديدة، ويقولون هم رجال ونحن رجال!
هم رجال صحبوا النبي ﷺ وصحبوا ابن عباس وصحبوا صحابته وصحبوا التابعين، لكن
أنتم رجال جالسين على المقاهي والشيشة والقهوة وتفكرون والله اعلم ماذا تقولون؟
فهذا من ضمن الشبه أنهم رجال وهم رجال، وللأسف يصبح داعية ويخرج علينا ليتكلم
وفرحان بنفسه أنه يفسر بدون أن يرجع للطبري وابن مجاهد ولا القرطبي ولا أي أحد..
وأمم من الشباب وراءه!
فلو أنتِ ما تعرفي إن الرسول ﷺ فسَّر القرآن ثم نقله لصحابته ثم نقل عنه الصحابة لمن
معهم مثل مجاهد.
مجاهد عرض القرآن على ابن عباس آية آية ثلاث عرضات، ومن ضمن الحالة التي
كانت معه أن سيدنا عبد الله بن عباس كان جالسًا مرة واضعًا رجله في ماء البئر ثم
يسأله عن تأوله في آية.
قال مجاهد: الغرور
الشيطان.
من
هذه الآية يقول العلماء:
حذر الله عباده أن يغرهم أحد أمرين ﴿فَلَا
تَغُرَّنَّكُمُ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِٱللَّهِ ٱلۡغَرُورُ﴾
أمرين
اثنين تسقط بهما النفس:
1. الحياة الدنيا وما ينفتح فيها لأن نفسك أصلا راغبة لها،
فلما تنفتح تُوقِع هذه النفس.
2. الغَرور هو الشيطان. فأصبح هذان هما العدوان الانشغال
بالحياة الدنيا والانشغال بالشيطان.
اتفقنا من قبل ما معنى الغرر، ما معنى أن إنسان اشترى شيئا ثم غُرَّ فيه؟ ضربنا مثل
وقلنا أني ذهبت لأشتري شيئا جميل جدا جدا واتغريت فيه وجماله وزينته وقلت أنه
سيكون رائعا، وأخذت هذا الشيء في الحقيبة وأنا سعيدة حتى وصلت البيت وفتحت
الشنطة فوجدت ما اشتريت فاسدًا وما يصلح للاستخدام.
فهذا يسمى غُرَّ فيه، وهو المتاع الذي اغتررت
به وهو أصلًا فاسدٌ فهذه هي الدنيا.
فحبك للحياة الدنيا والشيطان يجعلك تشتري بضاعة فاسدة.
كيف تغر الدنيا الناس وكيف يغرهم الشيطان؟
حب الدنيا وما زُيَّن فيها يصور لكِ الفاسد من البضائع كأنه حسن فيزينها لك، ثم إذا
قبضتيها لم تجديها شيئًا.
مثلًا واحدة ظلت تحب رجلًا أربع سنين في الكلية، زين لها الشيطان أن هذه العلاقة شيء عادي، جعل الشيطان الكلام والحب شيء عادي والمصاحبة شيء عادي! ثم يتزوجوا
ثلاث أو أربع شهور أو ستة على الأكثر ثم الطلاق! [ليس هذا من ظللت أحبه أربع
سنين! أصبح بلوى!] فهذا هو الغَرور.
فتصور العبد للمعصية يزينها له الشيطان.
كذلك تصور العبد للانشغال، مثل واحدة كل تفكيرها في لبسها واختيار ألوانه وجراب
الموبايل مع نفس لون الشنطة، والاكسسوارات
والحذاء والجاكيت...
بعض البنات ينظرون للون جورب
الخاطب، ألهذه الدرجة!
التهاء التهاء، هذه الأمور ذكرها الله سبحانه وتعالى في سورة آل عمران ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ﴾
زُيِّنَ؛ ستقولين لي: [هذه فطرة]؛ الله أمرك في الآيات أن تصلحي هذه الفطرة وتهذبيها،
قال الله تعالى: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَٰتِ مِنَ ٱلنِّسَآءِ﴾ وما الذي يشغلك ويكاد يجننك؟
الرجل، والرجل تجننه المرأة.
هذه هي أول فتنة، ولذلك من تنجو من فتنة الرجال تقول قد نجوت. فعلًا تفرح بنجاة الله
لها لأنها أول فتنة.
﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَٰتِ مِنَ ٱلنِّسَآءِ وَٱلۡبَنِينَ وَٱلۡقَنَٰطِيرِ ٱلۡمُقَنطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلۡفِضَّةِ
وَٱلۡخَيۡلِ ٱلۡمُسَوَّمَةِ وَٱلۡأَنۡعَٰمِ وَٱلۡحَرۡثِۗ ذَٰلِكَ مَتَٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَٱللَّهُ عِندَهُۥ حُسۡنُ ٱلۡمَئَٔابِ (14)
۞قُلۡ أَؤُنَبِّئُكُم﴾[4] بعدها على طول، لم يتركك الله لفطرتك، قال: ﴿قُلۡ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيۡرٖ مِّن
ذَٰلِكُمۡۖ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ عِندَ رَبِّهِمۡ جَنَّٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا﴾ يعني قبل تغتري
بأن هذا طبيعي ما يسميه العلماء الاحتراز، حتى تحترزي من أن يكون كل ذلك مشغل لك
وأن تكون هذه حياتك، لا. الله عنده حسن المئاب.
﴿لِلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ عِندَ رَبِّهِمۡ جَنَّٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا وَأَزۡوَٰجٞ مُّطَهَّرَةٞ وَرِضۡوَٰنٞ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِٱلۡعِبَادِ (15) ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ إِنَّنَآ ءَامَنَّا فَٱغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ (16) ٱلصَّٰبِرِينَ وَٱلصَّٰدِقِينَ وَٱلۡقَٰنِتِينَ وَٱلۡمُنفِقِينَ وَٱلۡمُسۡتَغۡفِرِينَ بِٱلۡأَسۡحَارِ (17)﴾[5] أتى بعكس ما تنشغلي به.
هو قال لك أن هذه فطرة كل الناس، ولذلك السلف كانوا يدعون: اللهم أعنا على ما زُيَّن
لنا. أن لا يكون ملتهي به، وما الدليل على أنهم لم يلتهوا به؟ صابرين، صادقين، قانتين،
منفقين، مستغفرين طوال الليل وبالأسحار، هذا حالهم.
عندما تجدي الشيطان يصور لكِ شيء تلتهي به وتجدي نفسك تبتعدي عن الدار الآخرة
أيقظي نفسك، فأنت بين تقدم وتأخر كما قال ابن القيم في اسم الله المقدم المؤخر وكلامه
من
أروع ما يكون، ماذا قال؟ قال: والعبد سائر إلى ربه لا محالة.
يعني ما تقول امرأة: [أنا تعبت وسأستريح قليلا، أنا أحضر دروس التفسير والتدبر منذ
مدة، سأفك عن نفسي، سأتوقف ثم سأعود مرة أخرى] هذا كلام من أخطر ما يكون.
اسمعي لكلام ابن القيم: والعبد لا وقوف له البتة في طريقه إلى الله، فهو إما سائر إلى
أمام وإما
سائر إلى خلف، وإما سائر إلى أعلى وإما سائر إلى أدنى.
يعني أنت على قدر التهائك تبتعدي وتتأخري، وعلى قدر إقبالك تتقربي إلى الله جل وعلا
وحسن لقاء الله.
فالتصور الفاسد في البضائع مثل عندما يأتيكِ في أذان صلاة الفجر قول المؤذن: الصلاة
خير من النوم، ألم تفكري لماذا يقول المؤذن هذا؟ لأن الشيطان يجعل النوم أجمل ما
يكون في وقت الفجر، أنت ممكن تكوني مستيقظة
جدًا قبل الأذان.
فالشيطان يحبب لك النوم ساعة الصلاة فيجعلك تشتري البضاعة الفاسدة (النوم)
وكذلك يحصل لكِ في البيع والشراء فيشغلك عن البضاعة
النافعة.
ثم قال البخاري رحمه
الله:
6433- حدثنا سعد بن حفص، حدثنا شيبان،
عن يحيى، عن محمد بن إبراهيم القرشي قال: أخبرني معاذ بن عبد الرحمن أن ابن أبان
أخبره، قال: أتيت عثمان بن عفان بطهور وهو جالس على المقاعد، فتوضأ فأحسن الوضوء،
ثم قال: رأيت النبي ﷺ توضأ بوضوئي هذا ثم قال: "من توضأ مثل هذا الوضوء ثم
أتى المسجد فركع ركعتين ثم جلس غُفِر له ما تقدم من ذنبه". قال: وقال النبي ﷺ: "لا تغتروا"
الله أكبر؛ أي أحد يفعل هذا يُغفر له ما تقدم من ذنبه؟
"من توضأ مثل هذا الوضوء ثم أتى المسجد فركع ركعتين ثم جلس غُفِر له ما تقدم من
ذنبه" كلنا نستطيع فعل هذا، والنساء شقائق الرجال فنحن نتعلم في المسجد ودروسنا في المساجد "إنما النساء شقائق الرجال" والأجور للرجال والنساء، حتى عندما قالت
صحابية للنبي ﷺ: الرجال يجاهدوا، فقال لها: "حسن تبعل المرأة لزوجها يعدل الجهاد
في سبيل الله" فحسن تبعل المرأة جهاد وهو ﷺ يعلم فلا تظني أبدًا أن الرجال مفضلون
في الأجور.
بعد ما قال النبي ﷺ هذا الحديث قال: "لا تغتروا"، أنتم فكرتم في الوضوء وفي الإتيان
للمسجد، فكروا في الركعتين اللتين ستمحوان كل هذه الذنوب أنك ما تحدثي فيهما نفسك
غير أنك مشغولة بملك الملوك -وهذا ما سيأتي- غير لو أن قلبك يعظم الله وما في قلبك
أكبر من الله والدنيا ما تشغلك أبدا، فما ستأتي بهاتين الركعتين غير عندما يكون قلبك
مشغول بالله ليل نهار، تكوني منشغلة به حقًا وصدقًا، ولذلك يقول الله عز وجل: ﴿يَٰٓأَيُّهَا
ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ ءَامِنُواْ﴾[6] هم مؤمنون لماذا قال ءامنوا مرة أخرى؟ أي صححوا إيمانكم،
زيدوا إيمانكم، اثبتوا على
إيمانكم، استمروا.
كلام مفسري الحديث:
هذا كلام عثمان بن عفان رضي الله عنه بعدما وصف طهور النبي ﷺ وكيف يكون
كفارة للعبد وبعدما أخبر عن هذه الصلاة، ماذا قال؟ من توضأ مثل هذا الوضوء ثم أتى المسجد فركع ركعتين ثم جلس غُفر له ما تقدم من ذنبه وفي رواية أخرى قال ﷺ:
"لا يحدث فيهما نفسه" أي يصلي ركعتين وقلبه مجموع على الله فلا يلتفت في صلاته فيكون الوعد أنه يغفر له ذنوبه كلها.
ما في أروع من ذلك.
لماذا قال النبي بعده "لا
تغتروا"؟
أي لا تحملوا الغفران على عمومه في جميع الذنوب فتسترسلوا في الذنوب على
غفرانها للذنوب فإن الصلاة التي تكفر الذنوب هي الصلاة المقبولة ولا إطلاع لأحد
الصلاة الفريضة أو السُّنة لا تحدثي فيها نفسك سواء ركعتين فريضة أو سُّنة، الركعتين
جاءت في الحديث نكرة تفيد العموم، فسواء الركعتين فريضة أو سُّنة فلا تحدثي فيها
نفسك وقلبك كله مجموع على الله عز وجل فيغفر لك ذنبك كله.
فقال العلماء: هل كل الذنوب؟ قالوا كلاما آخر: أن الصلاة تكفر
الصغائر.
وأنت مبتلى بأمرين: بالكبائر وبالصغائر التي تصر عليها فأصبحت كبيرة في حقك،
مثلًا لو أحد كان
يسمع الغناء، الغناء يعتبر كبيرة إذا بقي مصرًا عليه.
مثل واحد يسمع للأغاني يوميا، ويقول هذا ذنب صغير! هو مُصِرٌّ عليه فالصغيرة تصير
واحدة كل يوم تشاهد المسلسل التركي وتقول: [أغير جو لأنسى الغم الذي أنا فيه وأنسى
الحقيقة وأعيش الخيال والوهم] هذا إشغال لقلبها عن ذكر الله وعن الصلاة، لأن الناس
الذين يعتبرون أن الغناء شيء طبيعي أقسم ابن مسعود أن قوله تعالى في سورة لقمان:
﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشۡتَرِي لَهۡوَ ٱلۡحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ بِغَيۡرِ عِلۡمٖ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًاۚ أُوْلَٰٓئِكَ
لَهُمۡ عَذَابٞ مُّهِينٞ (6)﴾ هذا قسم ابن مسعود وما أدراكم ما ابن مسعود.
الرسول ﷺ عندما قال: لا تغتروا" أي الكبائر التي يصر العبد عليها لا يغفرها الصيام ولا
[1] فاطر 5، 6
[2] النور 36، 37
[3] القيامة: 18،19
[4] آل عمران: 14
[5] آل عمران: 15، 16، 17
[6] النساء : 136
تعليقات
إرسال تعليق
اكتب تعليقك إذا كان لديك أي تساؤل وسنجيبك فور مشاهدة التعليق