نكمل من كتاب فتح الباري
في شرح صحيح البخاري للإمام الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني:
[باب المكثرون هم
المقلون]
تظهر عبقرية البخاري في
عنونة الباب، وتظهر مع ربطه لحديث الرسول ﷺ بالآية فتظهر علاقة الآية بالحديث، ثم
تظهر عبقرية البخاري إنه بعد ما يذكر الحديث الذي يريده تحدث بداخلك أمور فيعطيكِ الحديث
الذي تحترزي به من الفهم الخاطيء من الحديث الذي سبقه، مثل ما جاء في [باب من بلغ الستين
فقد أعذره الله] مالذي سأعتقده؟ إن من وصل للستين مالهم توبة. لكنه يأتي بعدها
بحديث يرد به على الخواطر الخاطئة التي ستأتيكِ.
وطبعًا البخاري أخذ طريق
القرآن، لأن كلام الله عز وجل هو المثل الأعلى لنا، عندما تأتيكِ آية وأنتِ ستفكري
تفكير خاطيء فيأتي بالمحترزات في الآية، مثل: ﴿لَّا يَسۡتَوِي ٱلۡقَٰعِدُونَ
مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ غَيۡرُ أُوْلِي ٱلضَّرَرِ وَٱلۡمُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ
بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡۚ﴾[1] فتعلمي أنه لا يستوي من قعد عن
الجهاد كلهم غير من خرجوا نهائيًا، ولكن جملة "غَيۡرُ أُوْلِي ٱلضَّرَرِ" فتظهر المحترزات في القرآن
في أشد الحاجة إليها، عجيب! نسأل الله الفتح، ولو فهمنا سنعيش حياة عجيبة مع القرآن،
نسأل الله من فضله وأن نستمر على هذا الحال.
فالبخاري سيعطيكِ حديث
للرسول ﷺ ثم يحترز منه احتراز شديد من فكر الإرجاء، فأريد منك وأنت تقرأي أحاديث
النبي ﷺ أن تكتشفي ما الذي سيرد عليكِ وكيف سيأتيكِ البخاري بما يرد على هذه
الخواطر الخاطئة.
بدأ البخاري باب المكثرون
هم المقلون:
13 - باب الْمُكْثِرُونَ هُمْ
الْمُقِلُّونَ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ
الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا
وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ
إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾[2]
6443 -حَدَّثَنَا
قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ
عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ "عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ
خَرَجْتُ لَيْلَةً مِنْ اللَّيَالِي فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَمْشِي وَحْدَهُ
وَلَيْسَ مَعَهُ إِنْسَانٌ –عدي معي
الآداب التي تأدب بها أبو ذر، لو أحد منا رأى الرسول يمشي وحده هل سنتركه!-
قَالَ فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يَكْرَهُ أَنْ
يَمْشِيَ مَعَهُ أَحَدٌ قَالَ فَجَعَلْتُ أَمْشِي فِي ظِلِّ الْقَمَرِ – يعني يمشي وراءه بدون أن يزعجه أو يضايقه ولا يقطع عليه خلوته-
فَالْتَفَتَ فَرَآنِي فَقَالَ: "مَنْ
هَذَا" قُلْتُ أَبُو ذَرٍّ جَعَلَنِي اللَّهُ
فِدَاءَكَ قَالَ: "يَا أَبَا ذَرٍّ
تَعَالَهْ" قَالَ فَمَشَيْتُ مَعَهُ سَاعَةً
فَقَالَ: "إِنَّ الْمُكْثِرِينَ
هُمْ الْمُقِلُّونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلاَّ مَنْ أَعْطَاهُ اللَّهُ خَيْرًا
فَنَفَحَ فِيهِ يَمِينَهُ وَشِمَالَهُ وَبَيْنَ يَدَيْهِ وَوَرَاءَهُ وَعَمِلَ
فِيهِ خَيْرًا" قَالَ فَمَشَيْتُ مَعَهُ سَاعَةً
فَقَالَ لِي: "اجْلِسْ هَا هُنَا"
قَالَ فَأَجْلَسَنِي فِي قَاعٍ حَوْلَهُ حِجَارَةٌ فَقَالَ لِي: "اجْلِسْ هَا هُنَا حَتَّى أَرْجِعَ إِلَيْكَ" قَالَ
فَانْطَلَقَ فِي الْحَرَّةِ حَتَّى لاَ أَرَاهُ فَلَبِثَ عَنِّي فَأَطَالَ
اللُّبْثَ ثُمَّ إِنِّي سَمِعْتُهُ وَهُوَ مُقْبِلٌ وَهُوَ يَقُولُ: "وَإِنْ سَرَقَ وَإِنْ زَنَى"
قَالَ: فَلَمَّا جَاءَ لَمْ أَصْبِرْ حَتَّى قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ
جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ مَنْ تُكَلِّمُ فِي جَانِبِ الْحَرَّةِ؟ مَا سَمِعْتُ
أَحَدًا يَرْجِعُ إِلَيْكَ شَيْئًا. –تأملي
الأدب والحذر في كلامه مع النبيﷺ وكيف أنه يبدأ بأن يفديه بنفسه-
قَالَ: "ذَلِكَ جِبْرِيلُ
عَلَيْهِ السَّلاَم عَرَضَ لِي فِي جَانِبِ الْحَرَّةِ قَالَ بَشِّرْ أُمَّتَكَ
أَنَّهُ مَنْ مَاتَ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ قُلْتُ: يَا
جِبْرِيلُ وَإِنْ سَرَقَ وَإِنْ زَنَى قَالَ: نَعَمْ قَالَ قُلْتُ: وَإِنْ سَرَقَ
وَإِنْ زَنَى قَالَ نَعَمْ وَإِنْ شَرِبَ الْخَمْرَ"
لدي في الحديث حقيقتين:
"المكثرون هم
المقلون يوم القيامة (إلا)" وتضعي تحت كلمة (إلا)
ألف خط لئلا تظني أن الغني ليس له ثواب، بل أن هناك حديث آخر يقول "ذهب أهل الدثور بالأجور" لأن أجور
النفقات عالية جدا جدا، فلهم أجورهم في الإسلام وعند الله عز وجل، ولذلك سيقول لكِ
الرسولﷺ: " إِلاَّ مَنْ
أَعْطَاهُ اللَّهُ خَيْرًا" الخير
يعني المال.
إِنَّ الْمُكْثِرِينَ هُمْ
الْمُقِلُّونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أي أن الأكثرين من المال
هم المقلون يوم القيامة من الحسنات.
"إِلاَّ
مَنْ أَعْطَاهُ اللَّهُ خَيْرًا فَنَفَحَ فِيهِ يَمِينَهُ وَشِمَالَهُ وَبَيْنَ
يَدَيْهِ وَوَرَاءَهُ وَعَمِلَ فِيهِ خَيْرًا": هنا إستثناء.
"
هَكَذَا وَهَكَذَا": إشارة
إلى أنه بدون أن يحسب وبدون أن يرى أنه أنفق فيقع في قلبه الضيق والخوف من الفقر.
أنتِ عندما تكوني غنية
وتسمعي هذا الحديث ستبدأي تضايقي، لو أنا غنية وعندي مال كثير وسمعت كلام النبي ﷺ
في بدايته دون أن أكمل الحديث " إِنَّ
الْمُكْثِرِينَ هُمْ الْمُقِلُّونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" مالذي سيدخل
في صدري؟ الضيق؛ فيحترز بـ (إلا)، أي أن المكثرين هم المقلون يوم القيامة إلا
من ينفقه في ما يرضي الله وتكون نفقته هكذا وهكذا وهكذا من كثرة نفقته في سبيل
الله سبحانه وتعالى.
ثُمَّ
قَالَ لِي: "مَكَانَكَ لاَ تَبْرَحْ
حَتَّى آتِيَكَ" ثُمَّ انْطَلَقَ فِي سَوَادِ
اللَّيْلِ حَتَّى تَوَارَى فَسَمِعْتُ صَوْتًا قَدْ ارْتَفَعَ فَتَخَوَّفْتُ أَنْ
يَكُونَ قَدْ عَرَضَ لِلنَّبِيِّ ﷺ - يعني
خاف أن يكون قد تعرض النبي لعارض- فَأَرَدْتُ أَنْ آتِيَهُ
فَذَكَرْتُ قَوْلَهُ لِي لاَ تَبْرَحْ حَتَّى آتِيَكَ- فهذا فيه أدب وشدة امتثال سيدنا أبو ذر لكلام النبي ﷺ- فَلَمْ أَبْرَحْ حَتَّى أَتَانِي قُلْتُ يَا
رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتًا تَخَوَّفْتُ فَذَكَرْتُ لَهُ فَقَالَ: "وَهَلْ سَمِعْتَهُ؟" قُلْتُ:
نَعَمْ قَالَ: "ذَاكَ جِبْرِيلُ
أَتَانِي فَقَالَ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِكَ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا
دَخَلَ الْجَنَّةَ قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قَالَ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ
سَرَقَ"
ونحن كنا قد درسنا قصة إن
النبي ﷺ كان يخطب على المنبر وقال هذا الكلام، فرد عليه أبو ذر وقال: وإن زنى وإن سرق؟ قال: "نعم"، قال: وإن زنى وإن
سرق؟ قال: "نعم". قال: وإن زنى وإن سرق؟ قال: "نعم رغم أنف أبا ذر."
هذه الروايات من الاحتمال
الأكبر أن تكون قصص متغايرة بأوقات متغايرة، المهم أن المحتوى واحد ومن كلام النبي
ﷺ.
معنى هذا الحديث أنه إذا
مات العبد لا يشرك شركا أكبر ولا أصغر لا يُخلد في النار، إن مات الإنسان وقد أشرك
شركا أكبر يُخلد في النار، لكن إن مات ولم يشرك شركًا أكبرًا لم يخلد في النار وإن
زنى وإن سرق.
فإن أشرك في الدنيا ثم
تاب تاب الله عليه، فعندنا ثلاثة أحوال:
الحال الأول/ حال يكون الإنسان مشركًا
شركًا أكبر ويموت عليه فهذا يُخلد في النار قولًا واحدًا.
﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا
يَغۡفِرُ أَن يُشۡرَكَ بِهِۦ وَيَغۡفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن﴾[3]
الحال الثانية/ حال أن يكون الإنسان
أشرك شركًا أكبر لكن تاب قبل أن يموت وهذا لا يُخلد في النار ويتوب الله على من
تاب.
الحال الثالثة/ حال لا يشرك الإنسان أصلًا
في حياته وهذا الفضل لله عز وجل، لا يشرك شركًا أكبر ولا أصغر فهذا يُرجى له أن
تغفر ذنوبه وأن يدخل النار إن زنى وإن سرق يُطهَّر منها ثم يكون مصيره إلى الجنة.
ما الدليل؟ يقول شراح الحديث:
لأن الرسول ﷺ قال في حديث آخر: "من قال لا إله
إلا الله يبتغي بها وجه الله دخل الجنة"
كلمة "يبتغي
بها" يعني يريد بها وجه الله، والذي يريد وجه الله لا يزني ولا يسرق.
فاجمعي بين الأحاديث تخرجي بعقيدة أهل السُّنة والجماعة في مرتكب الكبيرة
"وإن زنى وإن سرق" فمن كلام النبي ﷺ أنه لا يُخلد في النار، هل يتساوى
مع من لم يزني ولم يسرق ولم يأتي بهذه الكبائر؟ تعالى الله، الفكر والمنطق يرفض
هذا.
هل من حفظت عرضها وصانته
وصبرت على دين الله ومنعت نفسها من الهوى ومن الفواحش ليس مثل من فعلت ذلك؟ لا.
يدخلون النار (من نص
الحديث) حتى يمتحصوا.
صاحب الكبيرة تحت المشيئة
إن شاء غفر الله له وإن شاء عذبه، هذه المشيئة تحت علم الله، أي مشيئته وِفْق علمه
بما في قلب هذا العبد، وِفْق عدله لأن الله عز وجل لا يستوي عنده الأحوال، وِفق
فضله وحكمته ورحمته.
كانت واحدة راقصة ترقص وهي تعرف أن الرقص من
الكبائر لأن فيه تعري –هذا الكلام سمعناه بأم أذننا- وواحدة أخرى كانت ترقص وهي
تظن أنه فن وليس حرام لأنه يوجد كليات للرقص فهي انخدعت بهذا، فالله عز وجل أعلم
بما في قلوب عباده، وتُعْرض الهداية على كل القلوب لأنه من تمام عدله أن يعرض
الهداية على قلب كل أحد، ومن أرادت أن تستزيد في هذه المسألة ترجع إلى اسم الله (الهادي).
كلام النبي ﷺ أن الله
يغفر لمن تاب ذنوبه إذا اجتهد في التوحيد ولذلك قال: "يا
ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك
بقرابها مغفرة" سبحانه وتعالى (عظيم) في السماء.
فإذا أتاه الله عز وجل بقرابها مغفرة لا
يدخل النار للتطهير حتى لو كان أذنب فهو يدخل الجنة فمعناها أن العبد يكون اجتهاده
في التوحيد.
تخليص قلبه من إرادة غير
الله عز وجل، ولو اجتهد العبد في التوحيد ستأتيه ذنوب الغفلات، وهي الذنوب التي
قال عنها الله: ﴿ٱلَّذِينَ
يَجۡتَنِبُونَ كَبَٰٓئِرَ ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡفَوَٰحِشَ إِلَّا ٱللَّمَمَۚ﴾[4] يعني أشياء تصدر منهم على سبيل
الغفلة.
المجتهد في التوحيد الذي قلبه معلق بالله
الذي يرجو الله عز وجل رجاءً قويًا ويخاف خوفًا عظيمًا إن أذنب ذنوب الغفلات ولم
يتقصد الذنب لكن غفلة على غفلة تجعل قراب الأرض خطايا.
انتبهي لدقة شرح العلماء،
قالوا أن ذنب صغير على ذنب صغير على ذنب صغير يعمل قراب الأرض خطايا لكن لم يكن
يتعمد كل هذا، لأن المتعمد لا يعظم الله عز وجل، وقد مرَّ معنا سابقًا أن الذنوب
الصغائر من العبد تنضج.. تنضج!
كما وصف النبي ﷺ صغائر الذنوب بقوم نزلوا وادي
وأرادوا أن ينضجوا طعامًا فأتى هذا بعود وأتى هذا بعود إنتهى الأمر إلى أنهم جمعوا
حطبًا كثيرًا واستطاعوا بهذا الحطب أن ينضجوا طعامهم.
الرسول ﷺ ضرب مثلًا
للصحابة لصغائر الذنوب وكيف أنها تجتمع على العبد فتدخله النار إن لم يتب منها..
إن لم يتب منها.
نحن قلنا إن العبد عندما
يُذنب عن جهل أو غير متعمد للذنب غير أحد مذنب متعمدًا للذنب فهذا مرتكب كبيرة وهو
تحت المشيئة إن شاء الله غفر له وإن شاء عذبه، يعني يدخل النار للتطهير.
حديث البغي التي دخلت
الجنة في كلب سقته، ما الذي حصل، هل البغي سقت الكلب وظلت على البغاء؟
هذا الحديث يُضرب في فضل
الصدقة، وكيف أنها كما قال النبي ﷺ: "تطفيء
الخطيئة" البغي عندما أرادت وجه الله بعملها –أي عمل تبتغي به وجه
الله له تأثير مباشر على القلب- وكانت صدقة هذه البغي ابتغاء لوجه الله بسقية
الكلب فماذا كان الجزاء؟ أن أطفأ اللهُ في قلبها نار الشهوة والخطيئة فتابت فدخلت
الجنة. تابت.
هي عملت العمل بإخلاص،
فعندما أخلصت غَيَّرَ الله ما في قلبها، فهذا معنى حديث النبي: "الصدقة تطفيء الخطيئة" يعني تطفئ نار
الشهوة.
فعملك الذي تبتغي به وجهَ
الله يغير قلبك، مثلًا شاب كان يبتغي الزنا –نسأل الله السلامة والعافية، أسأل
الله أن يطهر أعراضنا ويتوب الله على من وقع فيه- من يقع في هذا يُنْصَح بفعل
النفقة لوجه الله، حتى إن شُرَّاح حديث النبي ﷺ عندما يأتيهم أحد يقول أنا زنيت وفعلت
كذا وكذا يقولون له: تصدق.. تصدق. من أين أتوا بهذا الحل؟ لأنت الصدقة تطفيء
الخطيئة يعني تطفيء نار الشهوة في قلب العبد فيعرض العبد عن شهوته إن كان صادقًا
في ابتغاء وجه الله عز وجل بها.
فصدقة البغي على الكلب
أطفأت نار الخطيئة في قلبها فتابت فتاب الله عليها فدخلت الجنة.
نحن اتفقنا على أمور:
1-
من أشرك شركًا أكبر ومات وهو مشرك يخلد في النار ولا يغفر الله هذا الذنب، إذا مات
أحد كافر كفرًا أكبر لا يجوز أن نقول علي القِسْ "الله يرحمه" فالموضوع
منتهي، ﴿لَّقَدۡ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ ثَالِثُ ثَلَٰثَةٖۘ﴾[5]
2-
من أشرك وتاب قبل أن يموت تاب الله عليه.
3-
من عاش غير مشرك ومات غير مشرك وهو مرتكب كبيرة تحت المشيئة إن شاء الله غفر له،
وإن شاء عذبه بكبيرته، "فيدخلون النار حتى
يمتحصوا ويصيروا فحمًا ثم يلقون في نهر يسمى نهر الحياة فتنبت جلودهم كما تنبت الحبة
الخضراء في حميل السيل" أو كما قال ﷺ.
التائب
من الذنب كمن لا ذنب له، "يا ابن آدم إنك لو
أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة"
لو
واحد بخيل ولا يؤدي الحقوق عندما يتصدق ابتغاء وجه الله يدفع الله عنه ذنب البخل
كما قلنا ﴿وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ﴾[6]
﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ
الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا
لاَ يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ
النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾[7]
المؤمن في الجملة مئاله إلى الجنة بالشفاعة أو مطلق العفو من الله.
أي
يشفع له النبيون او يشفع له النبي ﷺ حتى نأتي لشفاعة الله جل وعلا.
والوعيد في الآية بالنار إحباط العمل وبطلانه إنما هو للكافر وأجيب عن
ذلك بأن الوعيد بالنسبة إلى ذلك العمل الذي وقع فيه الرياء فقط.
الآن سيتكلم عن المسلمين
الذين لديهم رياء في العمل، من الذي سيحبط عمله؟ هل كل عمله؟ العمل الذي رائى فيه
الناس فقط.
.. فيجازى فاعله بذلك إلا أن يعفو الله عنه وليس المراد إحباط جميع
أعماله الصالحة التي لم يقع فيها رياء. والحاصل أن من أراد بعمله ثواب الدنيا
عُجِّل له وجوزي في الآخرة بالعذاب لتجريده قصده إلى الدنيا وإعراضه على الآخرة،
وقيل نزلت في المجاهدين خاصة وهو ضعيف؛
الشراح يجمعون بين هذه الآية وبين من يعمل العمل ابتغاء
وجه الله. فالعمل الذي أراد به الدنيا ورؤية وجه الناس فهذا العمل بذاته يُحبط غير
العبد الذي ابتغى بعمله وجه الله فإن هذا الابتغاء يكون سببًا في قبول عمله وأن
يغفر الله له ذنوبه.
العلماء استخرجوا مجموعة من الآداب من حديث سيدنا محمد ﷺ
عندما خرج يمشي وحده ورئاه سيدنا أبو ذر، وهي من أروع الآداب:
وفي حديث الباب من الفوائد أدب أبي ذر مع النبي ﷺ وترقبه أحواله
وشفقته عليه حتى لا يدخل عليه أدنى شيء مما يتأذى به. وفيه حسن الأدب مع الأكابر..
الذي تكلمنا فيه أول الجلسة، عند الشباب الآن مشكلة
عجيبة نسأل الله عز وجل أن يربي أبناءنا وشبابنا يا رب.
صار موضوع غريب جدًا جدًا في النظرة للأكابر بإزدراء،
ليس فقط أنهم لا يحترموهم بل أن الكبير عندهم كبر وخرَّف.
من الفوائد أدب أبي ذر مع النبي ﷺ وترقبه أحواله وشفقته عليه حتى لا
يدخل عليه أدنى شيء مما يتأذى به. وفيه حسن الأدب مع الأكابر وأن الصغير إذا رأى الكبير
منفردًا لا يتسور عليه ولا يجلس معه ولا يلازمه إلا بإذن منه.
الآن يوجد نظرة للأكابر أنهم أصبحوا موضة قديمة وغير
قابلين للتطوير وهم قدماء.
لماذا هذه النظرة؟
لأن ما عندهم قيمة إحترام الكبير وِفق أحاديث النبي ﷺ، أحيانا
تجدي الأب والأم ربوا أبناءهم لكن البيئة الخارجية الفاسدة اعترت الشباب، وأحيانا
كثيرة –لنكون منصفين- يكون الكبير بالفعل طريقة تفكيره عقيمة وغير صائبة، يعني
تجدي أن كثير جدًا من الأمهات والأباء في الفترة التي سبقت جيلنا وقبل الصحوة
السلفية أنهم أصحاب فتن وبدع نسأل الله السلامة والعافية.
هذا كله يغير بالأدب مع أكابرك أنتِ خاصة، يغير بالأدب
وبالأخلاق وبالهدوء دون التعدي عليهم، الرسول ﷺ قال: "البركة مع
أكابركم"[8]
عندما يصل الأب والأم لمرحلة من الشيخوخة –وكل البشر
هكذا يا أخوات أسأل الله عز وجل أن يرزقنا
حسن الأدب والخلق لله- تجدي الأب والأم يصلوا بعد كِبَر شديد فيكونوا كالأطفال
بالضبط: يكررون الكلام- يتكلموا كثير-يطلبوا كثير– يستفسروا كثير مثلما أنت كنت
طفلة عندهم وصغيرة وتكررين الكلام كثير وتطلبين كثير وتستفسري كثير، فكيف كان الأب
والأم كانوا يحتضون الطفل، لو ما كان الإنسان بارًّا وعلى فقه وعلم فسيعتبر أن
الأم والأب يتدخلون في حياته أو إنهم إستغلالين أو إنهم كبروا و خرَّفوا فلابد أن
يصرخ فيهم ويتأدبوا و.. و.. نسأل الله السلامة والعافية.
لابد أن نعرف طبيعة الكبار عندما يكبروا جدًا يعودوا
كالأطفال ﴿۞ٱللَّهُ ٱلَّذِي
خَلَقَكُم مِّن ضَعۡفٖ ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعۡدِ ضَعۡفٖ قُوَّةٗ ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ
بَعۡدِ قُوَّةٖ ضَعۡفٗا وَشَيۡبَةٗۚ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُۚ وَهُوَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡقَدِيرُ﴾[9] فهذه الأمور يجب مراعاتها مع الأكابر لأنها سبب في زيادة
الإيمان أو في نقصانه.
أحيانًا تجدي الشيطان يتلقف الكبير بالوساوس لأنه أصبح
متفرغ وما عنده شيء يصنعه، ربما يتكلم مع نفسه كثيرًا، فنراعي نفسيته، يمكن أن
يتصرف تصرفات محرجة فما تتحرجي من أمك أو أبوك، فهمي من معك طبيعة المرحلة، وإنك
لو عيبت على هذه المرحلة فستبتلى بها، وكما تدين تدان، ما ستفعله في أبيك وأمك
سيُفعل فيك.
من العقوبات التي تُعجل عقوبة العقوق تُعجل في الدنيا،
هذا على المستوى الخاص، أما على المستوى العام فللأكابر إحترامهم، لو تريدي أن
تقولي وجهة نظر قوليها بدون أن تسخري منهم وبدون أن تؤذيهم أو تؤذي مشاعرهم.
أحيانا نتعامل مع الناس على أنهم أسوياء وهم عندهم اضطرابات
نفسية شديدة، فلو ما انتبهنا لهذا ستتعصبي لأنك تتعاملين معها على أنها طبيعية وهي
ليست كذلك فهي تؤذيكِ ويصدر منها أشياء وهي لا تشعر أنها تؤذيكِ، وتجدي أن كثير من
الكبار يتعصبون على كل شيء وما في شيء يعجبهم كالطفل، هو كالطفل الصغير ولكن
نفسيته تكون تعبة وأحيانًا يحدث خلل في كيمياء الدماغ تسبب انفعالات، فنسأل الله
سبحانه وتعالى أن يرزقنا الرحمة في قلوبنا والصبر. ولابد أن تعرفي أن هذا إختبار.
للأم التفضيل
والوالد هو أوسط أبواب الجنة كما قال ﷺ.
المشكلة تحدث عندما يكون عند الأب او الأم اضطراب نفسي
وكذلك الأبناء مضطربين نفسيًا، فمثلا أنا أتكلم مع الإبنة وأقول تحملي أمك، ولكن أجد
الإبنة نفسها مضطربة نفسيًا وما تستطيع، فهنا يأتي البلاء.
الشاهد: تحملي
الأكابر لأن هذا سبب من أسباب زيادة إيمانك وهو من أخلاق الصحابة رضي الله عنهم
وأرضاهم.
[1] النساء :95
[2] هود: 15
[3] النساء: 48
[4] النجم: 32
[5] المائدة: 73
[6] الحشر: 9
[7] هود: 15
[8] الراوي: عبد الله بن عباس، المحدث: ابن حبان، المصدر: صحيح ابن حبان، الصفحة:
559
[9] الروم: 54
تعليقات
إرسال تعليق
اكتب تعليقك إذا كان لديك أي تساؤل وسنجيبك فور مشاهدة التعليق