نكمل آداب الحديث:
وفيه حسن الأدب مع الأكابر وأن الصغير إذا رأى الكبير منفردًا لا
يتسور عليه ولا يجلس معه ولا يلازمه إلا بإذن منه. وهذا بخلاف ما إذا كان في مجمع
كالمسجد والسوق فيكون جلوسه معه بحسب ما يليق به. وفيه جواز تكنية المرء
نفسه لغرض صحيح كأن يكون أشهر من اسمه، ولا سيما إن كان الله
مشتركا بغيره وكنيته فردة. وفيه جواز تفدية الصغير الكبير بنفسه وبغيرها، والجواب
بمثل لبيك وسعديك زيادة في الأدب.
من أجمل الكلمات التي أعجبتني في أهل الخليج أنك عندما
تنادي على واحدة تقول لكِ "لبيك" كلمة معبرة جدًا وتدل على الحب.
وفيه الانفراد عند قضاء الحاجة.
الرسول ﷺ أراد ان يقابل جبريل مفردًا فانفرد لهذا، فهذا
يجوز.
وفيه أن امتثال أمر الكبير والوقوف عنده أولى من ارتكاب ما يخالفه
بالرأي ولو كان فيما يقتضيه الرأي توهم دفع مفسدة حتى يتحقق ذلك فيكون دفع المفسدة
أولى.
يعني أبو ذر أراد أن يقوم أن يطمئن على الرسول ﷺ ولكنه
امتثل لأمر النبي ﷺ برغم مشاعر الخوف عليه.
وفيه استفهام التابع من متبوعه على ما يحصل له فائدة دينية أو علمية
أو غير ذلك
هذه كانت من
الفوائد على حديث النبي ﷺ
مع أبي ذر.
نأتي على تعليق الطيبي وهو من شراح أحاديث النبي ﷺ وله
كلام طيب جدًا في شرح البخاري.
علق الطيبي على قول النبي ﷺ:
"وإن زنى وإن سرق" قال:
قال بعض المحققين: قد يُتخذ من أمثال هذه الأحاديث ذريعة إلى طرح
التكاليف وإبطال العمل ظنًا أن ترك الشرك كافٍ وهذا يستلزم طي بساط الشريعة وإبطال
الحدود وأن الترغيب في الطاعة والتحذير من المعصية لا تأثير له بل يقتضي الإنخلاع
عن الدين والإنحلال عن قيد الشريعة والخروج عن الضبط والولوج في الخبط وترك الناس
سُدىً مُهْمَلين وذلك يفضي إلى خراب الدنيا بعد أن يفضي إلى خراب الآخرة.
لو كل واحد سرق وزنى براحته لأنه فهم حديث النبي ﷺ خطأ.
مع أن قوله في بعض طرق الحديث أن يعبدوه..
هناك حديث آخر: "ما حق
الله؟" عندما سأل سيدنا معاذ الرسول ﷺ، لذلك أقول لكِ مهم جدًا جدًا
الجمع بين أحاديث النبي ﷺ حتى تُخْرِجي فِكْرًا سليمًا صافيًا معافيًا من الباطل
والإرجاء.
قال سيدنا معاذ للرسول ﷺ: ما حق الله على العباد؟ وما حق العباد على الله؟ قال ﷺ:
"حق العباد على الله أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وحق الله على العباد ألا
يعذب من لا يشرك به شيئا"[1].
يقول الطيبي:
مع أن قوله في بعض طرق الحديث "أن يعبدوه" يتضمن جميع أنواع
التكاليف الشرعية، وقوله "ولا يشركوا به شيئا" يشمل مسمى الشرك الجلي والخفي
فلا راحة للتمسك به في ترك العمل لأن الأحاديث إذا ثبتت وجب ضم بعضها إلى بعض.
هذا هو الكلام الذي أريده أن يستقر في ذهنك حتى تستوي
فكريًا وعقائديًا، يقول الطيبي:
لأن الأحاديث إذا ثبتت وجب ضم
بعضها إلى بعض لأنها في حكم الحديث الواحد فيحمل مطلقها على مقيدها ليحص العمل
بجميع ما في مضمونها وبالله التوفيق.
واحدة ستسمع حديث "وإن
زنى وإن سرق" ثم تذهب من غير ما تفهم فهذه مصيبة، غير أن تفهم حديث "أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا".
ما الفائدة من حديث "وإن
زنى وإن سرق"؟
إن أنت ما تحكمي على عباد الله لأنهم لو تابوا ابتغاء
وجه الله يغفرالله لهم هذه الكبائر.
الحديث الثاني المتعلق بهذا الحديث:
قَالَ
أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال رسول الله ﷺ: "لَوْ
كَانَ لِي مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَبًا لَسَرَّنِي أَنْ لاَ تَمُرَّ عَلَيَّ ثَلاَثُ
لَيَالٍ وَعِنْدِي مِنْهُ شَيْءٌ إِلاَّ شَيْئًا أَرْصُدُهُ لِدَيْنٍ"
معنى
ذلك أنه عندما تتمني أن تكوني غنية فهذا ليس سيئًا لكن لماذا تريدي أن تكوني غنية؟
لتنفقي هكذا وهكذا وهكذا وهكذا. جمع الأحاديث يعطي كل ذي فضل فضله.
نفس دلالة الحديث الماضي أن النبي ﷺ لا يسره أن يبقى عنده مثل أحد ذهبًا
والذي يسره أن يبقى عنده المال.
مثلًا
أنا أتمنى أن أكون غنية، وغيري يتمنى أن يكون غنيًا لينفق فيه ويعمل فيه بعمل
فلان، وقد قال الرسول أن هناك نوعين من الناس: واحد سلط ماله على هلكته في الحق،
والآخر يتفاخر ويتباهى ويعصي به الله، فعندما نرى من يتصدق بماله ويسعد الفقراء
ويدخل عليهم السعادة فنقول لو أن لي مالًا لعملت فيه بعمل فلان، فالرسول ﷺ يقول: "فهما في
الأجر سواء" الله أكبر، لو أني رأيت واحدة مليونيرة وأقول يا رب لو
تعطيني مالًا فأتصدق به على الفقراء الذين لا يجدون طعامهم فأنا لو صادقة والله
يعلم الكاذب من الصادق فيعطيكي أجر المنفقة.
ولو أنك تمنيتي أن يكون عندك مال لتتكبري به على الناس
وتذلي الناس، مثل –نسأل الله السلامة والعافية- الأغاني التي فيها شرك مثل [متى تلعب يا زهر؟] وكلام ينسب فيه الرزق للزهر
والنرد فهذا كلام فيه كفر أكبر ونحن لا نتهم أحد بالكفر، وتجدي الشباب يردد، وشيء
في منتهى الدنو في الألفاظ.
فانظري لنية كل منهم، نسأل الله عز وجل أن يرزقنا
النوايا التي تجمع لنا الأمور.
هنا الرسول ﷺ يقول: "لَوْ
كَانَ لِي مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَبًا لَسَرَّنِي" ما الذي سيسره؟
أن يكون لديه مثل أُحد ذهبًا أم "أَنْ
لاَ تَمُرَّ عَلَيَّ ثَلاَثُ لَيَالٍ وَعِنْدِي مِنْهُ شَيْءٌ إِلاَّ شَيْئًا
أَرْصُدُهُ لِدَيْنٍ"؟
أي ما يسر
الرسول ﷺ هو أن ينفق هكذا وهكذا وهكذا وهكذا هذا هو ما يسره، فهو يتمنى ﷺ مثل أُحد
ذهبًا وكان ﷺ يأتي في يديه المال الكثير فيبقى منه شيء، فهذه هي طريقة تفكير النبي
ﷺ، كل يوم هناك ملك يدعو كما قال ﷺ في صحيح البخاري: "مامن
يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم أعطي منفقًا خلفًا ويقول
الآخر اللهم أعطي ممسكًا تلفًا"[2]
[1] الراوي: معاذ بن جبل، المحدث: شعيب الأرناؤوط، خلاصة حكم المحدث: صحيح
[2] الراوي: أبو هريرة، المحدث: البخاري، خلاصة حكم المحدث: صحيح
تعليقات
إرسال تعليق
اكتب تعليقك إذا كان لديك أي تساؤل وسنجيبك فور مشاهدة التعليق