اعوذ بالله السميع العليم من
الشيطان
الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم
إن
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات
اعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأُصلي وأسلم على المبعوث
رحمةً للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. طبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم من
الجنة منزلا.
ثم تكلم البخاري عن
باب قول النبي ﷺ:
[هذا
المال خضرة حلوة]
وقول
النبي ﷺ:
"هذا المال خضرة حلوة" وقول الله
تعالى: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَٰتِ مِنَ ٱلنِّسَآءِ
وَٱلۡبَنِينَ وَٱلۡقَنَٰطِيرِ ٱلۡمُقَنطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلۡفِضَّةِ وَٱلۡخَيۡلِ
ٱلۡمُسَوَّمَةِ وَٱلۡأَنۡعَٰمِ وَٱلۡحَرۡثِۗ ذَٰلِكَ مَتَٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ
وَٱللَّهُ عِندَهُۥ حُسۡنُ ٱلۡمََٔابِ﴾[1] وتحت هذا العنوان
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
اللهم إنا لا
نستطيع إلا أن نفرح بما زينته لنا اللهم إني أسألك أن أنفقه في حقه.
وأوردنا قول السلف:
اللهم أعنا على ما زُين لنا.
كل واحدة فينا تلبس
عباءة جديدة تكون سعيدة بها، أو حذاء جديد..، لا بأس، نعمة ورزق، لكن لا تشغلك عن
الله، لا تظلي تبحثي عن العباءة والحذاء بالساعات ولا تستطيعي أن تقفي بين يدي
الله.
كلنا نحب الأكل ونسعد عندما يكون لذيذ، لكن لا
تقفي أربع وخمس ساعات في المطبخ في رمضان ثم لا تستطيعي أن تقفي لصلاة العشاء
والتراويح.
ذكرنا قول النبي ﷺ:
"يا حكيم إن هذا المال خضرة حلوة فمن أخذه بطيب
نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس –أي طمع-
لم يُبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع واليد العليا خير من اليد
السفلى"
ذكرنا في الأحاديث
الماضية قول عمر –رضي الله عنه-: اللهم إنا لا نستطيع
إلا ان نفرح بما زينته لنا، اللهم إني أسألك أن أنفقه في حقه.
لماذا
قال سيدنا عمر هذا القول؟
القصة التي قال فيها عمر هذه الجملة نفهم
أنه ليس المطلوب منا أن نكون مثاليين وأنه عندما نرى الخير لا تتحرك قلوبنا تجاهه
ونفرح، إنما المقصود أنه لما يأتي الخير وحتى لو حصلت الحركة الطبيعية الموجودة في
النفس فلا نكون رهناء له وعبيد له بل ننفقه فيما يرضي الله.
ذكرنا حديث النبي ﷺ إن سيدنا أبو عبيدة بن
الجراح عندما جاء بخراج من البحرين، وكان المهاجرين تركوا دورهم وأموالهم، وأعطاهم
الأنصار نصف ممتلكاتهم ويمكن أكثر، فكلهم منتظرين العطية، فوافته صلاة الصبح،
فالرسول ﷺ خارج لصلاة الصبح فوجد الصحابة جالسين منتظرين العطية، فقال لهم النبي ﷺ
متبسمًا:
"لعلكم سمعتم بقدوم أبو
عبيدة" قالوا:
نعم يا رسول الله، قال: "فأبشروا وأملوا" الأول
يطمئنهم، "فوالله ما الفقر أخشى عليكم " فهنا
حب المال غريزة، لكن هو يحذرهم من أن يلهيكم فيهلككم كما ألهى قوم فأهلكهم.
فهنا قصة عمر يتبين أن البعض يتصور أن
المطلوب منه أن نفسه لا يقع فيها أبدًا ميل للدنيا ولا حب لها، لكن المقصود أن
تجاهدي ذلك بحيث لا يعوقك عن السير إلى الله والدار الآخرة.
وعن
يحيى بن سعيد هو الأنصاري أن عمر بن الخطاب أتى بمال من المشرق يُقال له نفل كسرى
فأُمِرَ به فصُب وغُطِيَ.
يعني أتاه من مال
المشرق يُقال له نفل كسرى: النفل هو الزيادة من أمواله، هذا حدث أيام سيدنا عمر
رضي الله عنه وأرضاه أو الذي كسبوه بعدما انتهى القتال معهم
فأُمِرَ
به فصُب وغُطِيَ ثم دعا الناس فاجتمعوا ثم أمر به فكُشِفَ عنه.
أمر بالناس ليوزع
هذا الخراج كله على المسلمين.
فإذا
حُلي كثير وجوهر ومتاع، فينهمر عمر في البكاء!
والإنسان ما
يتميز ويعلو غير بفكره، حتى أنك عندما تجدي ناس من العقلاء يمدحون أحدًا يقولون
عنه: [فكره عالي]، سنقف وقفة مع هذه العبارة:
هل فكره
وطريقة تفكيره تؤثر على طريقة تصرفاته، وطريقة تفكيره تؤثر أيضًا على حالته
النفسية، فعندما تجلسي مع ناس حكماء فلن يتكلموا معك في السفاسف، أو عندما يثنوا
على أحد لا يثنون على طريقة مشيته أو على ضحكته أو على نكاته، فهذا من تصرفات
الحثالة وأهل الدنيا ولم يأخذوا من الدنيا غير الأمور الظاهرية جدًا.
أما
العقلاء فيتكلمون عن فكر الشخص، هل فكره الذي تحكم عليه من خلاله من أي مصدر؟ ما
ضابط فكره؟ ما هو ضابط الفكر السوي لديك؟ طريقة تفكيري من أين آخذه؟
من أجل أن أكون إنسانة
عالية كما قال الله عز وجل: ﴿وَلَا تَهِنُواْ وَلَا تَحۡزَنُواْ وَأَنتُمُ ٱلۡأَعۡلَوۡنَ﴾[1] لو أنتِ تريدي أن تكوني إنسانة عالية كما قال الله عز وجل: ﴿وَلَا تَهِنُواْ وَلَا
تَحۡزَنُواْ وَأَنتُمُ ٱلۡأَعۡلَوۡنَ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ﴾ فعلوك بمقدار إيمانك،
علوك ووزنك بمقدار إيمانك، فالإيمان أو التصديق أو الإعتقاد الجازم بكل ما قاله الله
وكل ما قاله النبي ﷺ هو الذي سيؤثر على طريقة تفكيرك، ولذلك يقول الله عز وجل: ﴿فَأَمَّا
ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فَزَادَتۡهُمۡ إِيمَٰنٗا وَهُمۡ يَسۡتَبۡشِرُونَ﴾[2] عندما ازداوا إيمان أثر على حالتهم
النفسية، وعندما أثر على حالتهم النفسية أثر على سلوكهم وطريقة تصرفاتهم، فمقدار إنتفاعك
بكلام الله و كلام رسول الله ﷺ حقيقة أنك تزدادي
إيمانًا ثم يحدث لكِ تغيير في طريقة التفكير وطريقة الاعتقاد والحالة النفسية،
لذلك من يدرسون معي الأسماء والصفات دائما نكرر أن صفاء الحال من صفاء المعرفة،
حالتك النفسية تكون صافية وجميلة من صفاء علمك عن الله وهي اليقينيات التي تملأك
بقراءة أفعال الله جل وعلا فتؤثر عليكِ، كما كنا نتكلم أمس عن ظاهرة القلق والتوتر
وكيف أنها تتناقض مع حقيقة التوكل وهو صدق إعتماد القلب على الله، وقلنا أن القلب
ما يعتمد إلا إذا كان فيه ثقة، وهذه الثقة ما تأتي إلا باليقين في الله جل وعلا،
فهو القادر القدير المقتدر الحافظ الحفيظ العليم
بحالي، حكيم فيما يقضيه لي، سلام من أن يبخل عني بشيء أنا أحتاجه
حقيقة إذا كان في هذا الشيء مصلحة لي.
كيف أغير التفكير؟
أنا اعتبر أن كتاب الرقاق
فيه تغيير لطريقة تفكيرنا، لابد أن نتغير، لابد أن تتغير طريقة التفكير، وقلنا إن
كثير جدًا من الناس يزن من أمامهم بما معه، مثلا: فلان ماشاء الله عنده بيت..
قصر.. عنده شهادات من بريطانيا وأمريكا.. معاه الجنسية الأمريكية (كأنه صك
الغفران) وكأن التوفيق مرتبط بالجنسية ولون الباسبور.
مثلا: فلان بنى لأولاده
بيت كبير.
هؤلاء اشتروا الأرض وبنوها وكذا، لديهم فكر.
أصبح قياسنا للأمور من
خلال الأكثرون. نسأل الله عز وجل أن يجعلنا الأثقل وزنًا عند الله عز وجل.
سؤال من إحدى الطالبات:
الآن عندما نكون في المسجد وتكون واحدة جالسة
من المغرب وحتى العشاء في مكان ووضعت به كتبها وأشيائها، ثم تأتي أخت أخرى وتزيح
أشيائها وتجلس مكانها، هل يجوز؟
الجواب:
لا يجوز شرعًا لأن إذا جلس العبد مجلسًا ثم
أراد الرجوع إليه فهو أحق بمجلسه من غيره، وهذا من ناحية الحقوق الشرعية، وأداء
الحقوق من الإيمان وأداء الحقوق ينزل البركات.
من يجلس مجلسًا فهو أحق به إذا أراد الرجوع
إليه ومن علامات الإيمان قول الله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا قِيلَ
لَكُمۡ تَفَسَّحُواْ فِي ٱلۡمَجَٰلِسِ فَٱفۡسَحُواْ يَفۡسَحِ ٱللَّهُ لَكُمۡۖ﴾[1] هذا من أفعال الله عز وجل.
فهذه السلوكيات التي
وردت في التشريع أداؤها سبب في زيادة الإيمان، ومن الحقوق المهمة جدًا في الإسلام
إنزال الناس منازلهم، ما في شيء يتعارض مع حديث النبي ﷺ "إن الناس سواسية
كأسنان المشط" كل الناس سواسية من حين إنك تعطي كل واحد حقه لكن من الإيمان
كما قال النبي ﷺ: "من كان يؤمن بالله واليوم الاخر، من كان يؤمن بالله واليوم
الاخر ، من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فإذا أتاه كريمُ قوم فليكرمه" يعني
أن إنزال الناس منازلهم من علامات الإيمان وضد ذلك يتنافى مع الإيمان، أنا ما
أساوي نفسي بمُعلمتي فأكون بذلك إنسانة جاهلة، هي علمتني وأنا جلست تحت رجلها ست
وسبع سنوات أو أكثر فما أقول أني صرت مثلها هي أستاذة وأنا أستاذة.. لا، ليس هذا
من الإيمان لأن هي لها منزلها وأنا أنزلها منزلها.
واحدة مثلًا كبيرة
في السن ما أقول أني مثلها.. لا، إنزال الناس منازلهم من الإيمان، فالعالم له
منزلته في الإسلام والكبير في السن له منزلته في الإسلام والغني الشريف من عائلة
غنية له منزلته في الإسلام.
أبو سفيان رضي الله
عنه وأرضاه قبل الإسلام أعطاه النبي ﷺ منزلته، فهذا لا يتنافى مع المساواة أني
أحترمك وأنت تحترميني.
فهذه الأمور نسأل
الله عز وجل أن يجعلها في قلوبنا، الرسول ﷺ كان إذا كلمه أحد أقبل عليه بوجهه كله،
فصعب جدًا أني أجد واحدة متدينة وعندما أكلمها وكلي إقبال عليها ثم أجدها
تتجاهلني، صعب جدًا، أين العلم وأين تأثيره في السلوك، أنا أتكلم عن أنفسنا أن
نكون مع أصحاب المنازل "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فإذا أتاه كريم قوم
فليكرمه".
الدين النصيحة لله
ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، يعني كلنا نتناصح لله، أسأل الله عز وجل أن
يجعلنا فاعلين لما نقول.
تعليقات
إرسال تعليق
اكتب تعليقك إذا كان لديك أي تساؤل وسنجيبك فور مشاهدة التعليق